ترك برس
يتابع أرمغان نقله لتفاصيل عرض هرتزل سداد ديون الدولة العثمانية مقابل السماح لليهود بالاستملاك على السلطان عبد الحميد الثاني، مبينا ً أنه بعد إخبار نيوزلينسكي هرتزل برفض عبد الحميد الثاني لعرضه بشدة، أدرك أنه ليس من اللائق عرض بعض النقود على سلطان أو رئيس دولة مقابل تخلي الأخير عن بعض ملكه، وتراجع عن عرضه المذكور، إلا أنه عاد وزار إسطنبول لخمس مرات حتى عام 1902.
ويوضح أرمغان أنه خلال مراجعته للوثائق العثمانية لاحظ أن الجهاز الاستخباراتي للسلطان عبد الحميد الثاني توصل إلى معلومات تفيد أن عائلة روتشيلد الثرية الأوروبية اليهودية لا تقف خلف هرتزل كما ادعى أمام نيوزلينسكي، وهذا ما زاد من حدة غضب السلطان عبد الحميد على هرتزل، حيث استخف بالسلطان والدولة من خلال ممارسة الكذب والخديعة.
ويشير أرمغان إلى أن هرتزل لم يكف عن عروضه للدولة العثمانية، إذ عاد بعد فترة وجيزة وعرض على الباب العالي مشاريع تنموية تجعل الدولة العثمانية أحد أقوى الدول حول العالم، مؤكّدا ً أن رجال الأعمال والصناعيين اليهود سيوفدون للدولة العثمانية وفلسطين لتنميتها وتطويرها اقتصاديا ً واجتماعيا ً، وكل ما يريدونه هو فقط السماح لهم بالإقامة في فلسطين.
وردا ً على هذا العرض، يلمح أرمغان إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني وافق على هذا العرض ولكن بعدة شروط، يمكن تعدادها على النحو الآتي:
ـ سداد اليهود لديون الدولة العثمانية التي تبلغ 30 مليون جنيه سترليني.
ـ تخلي اليهود القادمين إلى الدولة العثمانية عن جنسياتهم الأوروبية والقبول بالتبعية للدولة العثمانية.
ـ القدوم إلى الدولة العثمانية والإقامة في جميع أنحائها وليس في فلسطين فقط، ويتم الحرص أن تحوي كل مدينة عثمانية 5 عائلات يهودية فقط.
عندما تلقى هرتزل هذا العرض صُعق وانقلبت أفكاره رأسا ً على عقب وشعر بالفشل الذريع وقرر الرجوع إلى أوروبا لتجميع مبالغ مالية ضخمة من العائلات الأوروبية اليهودية الثرية، لتشكيل عنصر إقناع أكثر تأثيرا ً على السلطان عبد الحميد.
ووفقا ً لدراسة أرمغان، فإن العائلات الغنية لم تقبل تقديم أي جنيه واحد لهرتزل، دون حصوله على وثيقة رسمية تظهر سماح السلطان عبد الحميد الثاني لليهود بالهجرة والإقامة الجماعية على أرض فلسطين.
ويضيف أرمغان كما هو الحال دوما ً في حياكة اليهود للألاعيب، اتجه هرتزل بعد فشله الذريع في إقناع السلطان عبد الحميد الثاني والعائلات الأوروبية الثرية صوب استخدام الصحف العالمية لقلب الرأي العام الدولي على السلطان عبد الحميد والدولة العثمانية، حيث أصدروا عبر وسائل الإعلام الدولية خبر ذائع يحمل عنوان "خط أخضر أمام اليهود للهجرة نحو فلسطين، فالسلطان عبد الحميد الثاني اتفق مع اليهود".
وبحسب دراسة أرمغان، فإن اقتناع هرتزل بإمكانية تساهل عبد الحميد الثاني في قبول العروض عقب قبوله عرضه الأخير بشروط، هو المحفز الاساسي لجعله ينشر مثل هذه الأخبار، وإن أول من نشر هذا الخبر وقام بالترويج هي الصحيفة الألمانية التابعة للوكالة الصهيونية "ألغمين زايتونغ"، حيث قامت بنشر مسودة رفض بيع الأراضي لليهود على أنها مسودة تقضي بالسماح لهجرة اليهود.
ويبيّن أرمغان أنه لتفنيد هذه الادعاءات وتحاشي الضغوط الدولية عمل السلطان عبد الحميد الثاني عام 1899 بإصدار فرمان "الإرادة الثانية" الذي يؤكد على وثيقة رفض الدولة العثمانية للهجرة اليهودية لفلسطين، وينص على تضييق مدة زيارة اليهود لفلسطين.
وإضافة إلى ذلك، ينوه أرمغان إلى أن بعض الإيطاليين اليهود قدموا إلى الدولة العثمانية وتمكنوا من استملاك بعض الأراضي، ما جعل الصحيفة تستند على ذلك في نشر أكاذيبها، ولكن في الحقيقة هذا القرار خاص ومتعلق بالمواطنين الإيطاليين بصرف النظر عن أصولهم العرقية والدينية، وعلى الرغم من الاتفاقية التعاونية المبرمة بين الطرفين، إلا أن السلطان عبد الحميد الثاني أكّد على عدم إمكانية هجرة اليهود الإيطاليين إلى فلسطين أو استملاكهم للأراضي بها، وهذا القرار الإضافي ملحق في الاتفاقية التي وقعت بين الطرفين عام 1900.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!