محمد بارلاص – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
على اعتبار أن عقولنا أسيرة العالم الغربي وأجسادنا تتنشق عبق الإرث الثقافي لهذه البقعة الجغرافية، فإننا لا نستطيع أن نطلع أو نقوم بتفسير السياسة إلا من منظور نظريات المؤامرات.
لأن الشرق أوسطيين يفضلون الطرق السهلة والسريعة و يعتمدون على نظرية المؤامرة في فهم الحقائق، بدلاً من التعمق والبحث عن الحقائق.
فعلى الرغم من وفرة الموارد الطبيعية في بلدانهم، فإن الطبقة الفقيرة التي تشكل أغلبية سكان المنطقة لا يبحثون عن الأسباب السياسية و الاجتماعية لهذه الحالة، بل يقومون باتهام الغرب والإمبرياليين بأنهم السبب في بقائهم على ما هم عليه من تخلف وفقر، وهذا المفهوم الخاطئ يزيد من سوء أوضاع هؤلاء.
هل تلاحظون معي كيف يعمل أصحاب هذه النظريات في الداخل التركي بعد نجاح الاستخبارات التركية في إنقاذ الرهائن في الموصل؟
لنفرض جدلا أننا قمنا بتصديق ما يكتب من خرافات في وسائل الإعلام عن هذه العملية التي تعتبر انتصارا للدبلوماسية التركية. أتدرون ماذا ستكون النتيجة؟ عندها سنتمنى لو أن أحدا قام واشتكى إلى المحكمة الدستورية العليا من أجل إعادة الرهائن إلى تنظيم داعش. لكني أعتقد أن مثل هذه التصرفات الساعية إلى تشويه ما تقوم بها قيادات الدول شائعة في هذه البقعة الجغرافية.
فعلى سبيل المثال. لا تقوم الأحزاب السياسية التي تخسر في الاستحقاقات الانتخابية بمراجعة سياساتها وتقييم أخطاءها، بل تراهم يذهبون إلى أبواب المحاكم من أجل الاعتراض على نتائج الانتخابات وإعادة إجراء النتخابات من جديد.
خطأ تاريخي
تذكروا معي كيف أن الاستعجال في تقييم المستجدات قبل فهم علوم التاريخ والاجتماع بشكل صحيح، كانت تقودنا الى أخطاء تاريخية. لنعطي هنا بعض الأمثلة على ذلك.
هل تذكرون الخطأ التاريخي المتمثل في الربيع العربي. حيث بدأ في تونس تحت اسم النهضة ومازال مستمراً ولكن كحرب داخلية في سوريا. لقد ولد الربيع العربي أشباحا مثل السيسي وتنظيم داعش. فأي خطأ تاريخي وقعنا فيه هل من متذكر؟
ألم نعتقد في تلك الأيام بأن الربيع العربي سيجلب الديمقراطية للدول العربية؟
ألم يعتقد المتعجّلون الأتراك نفس الشيء خلال أحداث "غيزي بارك"؟ لقد تجاهلوا إرادة الشعب وايمانه بالديمقراطية واعتبروا أن صناديق الاقتراع مجرد تفرعات لا تعكس الواقع الحقيقي.
استطاع الغرب أن يدرك الصواب
لقد اعتقد الذين أيدوا أحداث "غيزي بارك" بأنهم سيسيطرون على الحكم في البلاد عن طريق إحداث الشغب في الشوارع. ولم يكتفوا بذلك بل انجروا وراء الكيان الموازي الذي حاول أن يطيح بالحكومة عبر محاولات الانقلاب المدني في 15 و25 كانون الأول/ يناير. فلقد ارتكب هؤلاء خطا تاريخيا كبيرا.
أعتقد أن استمرار هذه الفئة التي تعتبر نفسها الطبقة المثقفة والمتعلمة في تركيا بارتكاب الأخطاء بدل الاعتراف بخطئهم والعودة إلى طريق الصواب هي ميزة مكتسبة من هذه الجغرافيا.
أما القادة الغربيون ولأنهم لا يؤمنون بنظريات المؤامرات، فقد باتو لا يعيرون أي اهتمام لهؤلاء الذين يهدفون للوصول إلى السلطة من خلال إحداث الشغب في الشوارع. ولذلك فهم يقومون بالاستماع إلى الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو من أجل الاطلاع على الرؤية التركية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس