عبير النحاس - خاص ترك برس
ما زالت الثورة في سورية تكشف و تكشف لنا حقائق و معادن كانت مخفية، أو ظاهرة و نتجاهلها..
و ما زالت المرأة السورية تدفع الثمن الأكبر، كما كل نساء بلاد الحروب..
و كما الحكايات كلها، شحذ الفارغون ألسنتهم للحديث في قصة الفتيات السوريات في جونييه اللبنانية، واللواتي أجبرتهن عصابة للعمل في البغاء تحت التعذيب و الترهيب، وعشن مأساة صنفتها المنظمات بأنها عبودية كاملة.
تداعى الشرفاء كالعادة للاستنجاد بأصحاب الشأن وغيرهم، للسؤال عن فتيات سوريا في لبنان وغيره من بلاد المهجر، و حتى في بلادهن تحت أيدي العصابات المتنوعة التي وفدت إلينا من كل مكان.
وكالعادة أيضا هبت مواقع التواصل للبحث، والنقاش، وكيل التهم، و معرفة المتسبب، واسمه، و أصله، و فصله، و جنسيته، وملته، و أسباب انحرافه و ساديته، ناسين أو متناسين أن ما فعله هذا المجرم و أفراد عصابته لا يختلف كثيرا عن زوار المخيمات، الذين يشترون الفتيات السوريات من أهلهن تحت مسمى الزواج الشرعي، و التعدد المنقذ برأيهم، و من ثم يرين من عشرتهم عجبا.
وكيف ننسى شبابا تداعوا للبحث عن سوريات بحجة جمالهن، وحسن معشرهن، وإجادتهن لأعمال المنزل، و رخص مهورهن، وقلة طلباتهن، كونهن لاجئات يبحثن عن الستر.
كشفت هذه الثورة معادن من كنا نظنهم حتى زمان قريب إخوة لنا في الدين و ربما قلت العروبة لولا أن الطلب على السوريات شمل حتى غير العرب.
لا أريد هنا أن أحلل الحالة التي أوصلت الفتيات إلى أيدي العصابات، و كلنا يعلم حال المخيمات، و رغبة كل من فيها بالخروج منها و العيش في مكان محترم، والحصول على عمل يكفيهم الحاجة، و ما أبحث عنه دوما هو الحلول.
مشكلة فاقت الوصف و التوقعات إذن، بطلاتها زهرات الياسمين الدمشقي، و ذئابها أشباه الرجال يبحثون عن المتعة من دون ثمنها من المسؤولية والالتزام التي يضمنها الشرع، و قد يغلفون مآربهم بإطار شرعي و يضمرون النوايا الخبيثة، بينما ينشغل الرجال بالجبهات أو تبعدهم المعتقلات، ولا نعمم بالطبع.
ولن يكون الحل بالمال طبعا، فأي أموال العطايا يدوم أو دام يوما؟..
و لن يكون بقبول ما يقترحونه من تعدد و غيره، يمتهنون به كرامة المرأة كونهم أشباه رجال كما أسلفت، و نحن لا ننكر على الرجال الحقيقيين هذا الفعل، إن وافق النية الطيبة والشرع الصحيح.
الحل دائما و أبدا يكمن في تربية الأنثى على الاعتماد على نفسها منذ الصغر، و لملمة ما يمكننا لملمته ممن كبرن و ابتلين بالفقد والمسؤوليات التي لم يعرفنها من قبل.
تنمية المرأة هو ما علينا التركيز عليه بدلا من حلول مؤقتة لا تسمن و لا تغني من جوع، ولا تحل سوى جزء لا يذكر من المشكل.
ولا ننسى أن في تنميتها و تعليمها و الوصول بها إلى أن تكفي نفسها بنفسها وعائلتها معها، سيكون سلاحا لها حتى لو تزوجت ووجدت أن من وثقت به وأوكلت إليه أمور حياتها غير جدير بالثقة، فتفارق قوية عزيزة شامخة محافظة على كرامتها ونفسها وسعادتها، التي لا يضمنها إلا الكفاف والعفاف والقيام بواجباتها نحو أسرتها على أكمل وجه.
فكيف ننمي المرأة ؟
البداية بالتأكيد حين تدرك المرأة أن هذا هو صالحها و مطلبها، فكيف نساعد من لا يريد مساعدة نفسه؟.
وثانيا: باستبدال العطاء المادي بافتتاح المشاريع ذات المردود المادي و تشغيل النساء فيها، مع الحرص عليهن كتأمين الأجواء المناسبة و إبعاد المتصيدين والثعالب.
وكذلك بتقديم القروض للمشاريع الصغيرة والإشراف عليها، فلا تكاد توجد سورية لا تعرف طريقا أو أكثر للعمل في إعداد الأطعمة و الحلويات، و صناعة الألبسة، و الكروشيهات، والترجمة، والطباعة، و الكتابة، والرسم، و مواد التزيين، وغيرها وغيرهم من المشاريع التي يمكن أن ندعم بها النساء فيحفظن بها كرامتهن و عائلاتهن.
و لا ننسى التعليم والدروس، فالكثيرات لديهن الرغبة و الهمة لمتابعة التعلم والتحصيل، و تعلم لغات بلدان المهجر التي باتت موطنا لهن.
ولا ننسى أن نقرر أننا نريد أن نربي الصغيرات بشكل يختلف عما تعودنا عليه وتربينا، وأن نعودهن على البذل و إكمال التحصيل العلمي، و تنمية المواهب، و ألا يعتبرن الرجل هو نهاية الطريق والأمل، بل هو رفيق الطريق، ومن يسعده رفقة امرأة قوية ناضجة يطمئن على عائلته بين يديها فيما لو اضطرتهم الظروف يوما لفراقه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس