محمد زاهد جول - أورينت
كان خطاب الرئيس التركي أردوغان أمام حفل توزيع الجوائز في الغرفة التجارية قبل أسبوع في أنقرة فيه العديد من النقاط، ولكن ما أثار الانتباه اكثر موقفه من الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول شروط الاتحاد الأوروبي لرفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك لدخول دول الاتحاد الاوروبي فيما يعرف بنظام الشنغن، ومن الشروط التي رفضها الاتراك تغيير قانون مكافحة الارهاب التركي ليتوافق مع قانون مكافحة الارهاب في الاتحاد الأوروبي، وقد قرأ بعض المحللين هذا الرفض كلغة تحدي من أردوغان في عدم الانصياع للاملاءات الأوروبية، بأنها سيف ذو حدين، سيف داخلي يكسب فيه ثقة المواطن التركي ويرفع شعبية أردوغان أكثر فأكثر، وسيف خارجي ليقف في وجه الأوروبيين وهم يستخفون بالموقف التركي ويتوقعون انصياعه للشروط الأوروبية.
أتت اهمية كلمة اردوغان في قوتها المناسب وقبل أيام من انعقاد المجلس الأوروبي لبحث مسألة رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك، فقد سبقت اجتماع المجلس الأوروبي لإصدار قرار حول رفع التأشيرة يوم 12/5/2016، ولكن كلمة أردوغان لم تثني المجلس الأوروبي عن تأجيل رفع التأشيرة، فقال "مارتن شولتز" رئيس المجلس الأوروبي:" إن النظر في مسألة رفع التأشيرات ممكنة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام، وقال "شولتز" في تبرير ذلك:" إن عدم البت في مواضيع الإرهاب وغيرها من المواضيع العالقة يجعل أمر رفع الإتحاد الأوروبي لتأشيرات السفر عن المواطنين الأتراك غير ممكن في شهر تموز الحالي".
لقد فهم البعض أن كلام الرئيس أردوغان كان تحدياً للموقف الأوروبي الذي لا ينصف تركيا، وأنه كان يريد إقناع الشعب التركي بحقه بالدفاع عن نفسه ضد الارهاب امام الاتحاد الأوروبي، في اهم مسألة تؤثر على المواطن التركي وهي مسألة الارهاب، الذي يضرب استقرار المجتمع التركي واقتصاده، الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني في تركيا منذ عام تقريباً، والذي يجد عماً اوروبياً بدل ان يجد التنديد والمكافحة من الأوروبيين مثل الأتراك على حد سواء، لأن ارهاب حزب العمال الكردستاني الذي يدافع عنه الأوروبيون راح ضحيته مئات المواطنين الأتراك وهم قتلى في الشوارع والحافلات والحدائق والمنتزهات العامة، وفي مهاجمة الثكنات العسكرية والدوريات الأمنية بالتفجيرات والألغام وإطلاق النار على رجال الأمن والدرك والجيش التركي، فكيف يمكن أن تأخذ تركيا بالمطالب الأوروبية في تطبيق قانون مكافحة الارهاب في تركيا، وهو يضرب والاستقرار الأمني في تركيا ويقتل المواطنين الأتراك والسياح الأجانب.
لقد أشار أردوغان والعديد من المسؤولين الأتراك إلى ان الموقف الأوروبي غير منصف، وانه يستخدم ازدواجية في المعايير الأوروبية والعالمية في موقفها من العمليات الارهابية التي تقع في تركيا، فالتنديد الأوروبي ضد العمليات الارهابية التي تقع في أنقرة واسطنبول وبورصة وسوروج أقل بكثير من التنديد بالارهاب الذي يضرب باريس أو بروكسل أو غيرها من المدن الأوروبية، علما بان الفارق بعدد القتلى في تركيا أكبر منه بكثير مما وقع في باريس وبروكسل، وحيث ان الارهاب هو الارهاب حيثما وقع ومهما كان عدد القتلى، فإن مكافحته ينبغي ان تكون واحدة ومتساورية من قبل دول الاتحاد الأوروبي، ومن قبل مسؤولي مجلس الاتحاد الأوروبي بكافة لجانه وفروقه الانسانية والأمنية والقانونية وغيرها.
بل ما هو أشد استنكارا لدى الشعب التركي وقام الرئيس أردوغان بالتركيز عليه في كلمته السابقة هو سماح عدد من الدول الأوروبية في العاصمة بروكسل قبل غيرها هو السماح للأرهابيين الذي يتبنون العمليات الارهابية في تركيا في بيانتهم العلنية أن يقيموا خيما للتضامن معهم في أوروبا، وأمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل العاصمة البلجيكية نفسها، بل ويرفعون علم هذا الحزب الارهابي وصور الارهابيين الذين نفذوا هذه العمليات التفجيرية داخل تركيا.
وبحكم الموقف التركي الحازم ضد الخضوع للشروط الأوروبية لرفع التأشيرة، فإن الموقف الشعبي التركي كان واضحاً اولاً ، ورسالة للمجلس الاتحاد الأوروبي ثانيا، الذي علق رفع التأشيرة للخريف القادم، حيث أن 75% من الشعب التركي لم يعد راغباً بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هذا العام، بينما كانت النسبة 69% في عام 2015.
وهذا بحسب آخر استطلاعات الرأي العام في تركيا، أي أن الموقف السياسي الرسمي التركي سواء لرئيس الجمهورية أردوغان او غيره من المسؤولين الأتراك هو انعكاس لموقف الشعب التركي نفسه، وليس مجرد رغبة خاصة لدى أردوغان او غيره من المسؤولين الأتراك، لأن المسألة متعلقة بالأمن الوطني والقومي التركي، وقد كانت أخطاره على الاستقرار التركي بشكل عملي، وخسر الشعب التركي الكثير من القتلى والجرحى والتدمير للمقرات الأمنية وحافلات الجنود والمرافق العامة في الحدائق والطرقات، فكيف يتهاون الشعب التركي بحياة أبنائه وأطفاله وجنوده ومرافقه العامة.
هذا الحزم التركي الشعبي والرسمي جعل مجلس الاتحاد الأوروبي يتراجع عن قراره الأخير في مساء نفس اليوم، فقد صرح الناطق باسم المفوضية الأوروبية " فريزو أبينغ " يوم 12/5/2016 :" بأن عدم قبول تركيا تغيير تعريف قانون الإرهاب، لن يكون سببا في إلغاء اتفاقية رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك والسماح لهم الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي"، فهذا التصريح يعتبر تراجعاً عن طلب رئيس الاتحاد الأوروبي مارتين "شولتز" تركيا بتغيير تعريف الإرهاب حتى يتم رفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي.
هذه التجربة الأوروبية في إملاء الشروط على تركيا دون دراسة الواقع التركي لن تساعد على حل المشاكل في أوروبا وفي المنطقة أيضاً، ووضع الشروط ثم التراجع عنها لا ينبغي ان تمر كحدث استثنائي وإنما لا بد من معالجته كعقلية اوروبية في التعامل مع الأتراك، فكثيراً ما عاشت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بحالات من الضعف والجمود ثم تتحسن فجأة لمعالجة امر معين، وتصبح انقرة واسطنبول محج زيارات المسؤولين الأوروبيين ومحل مديحهم والثناء عليهم، ثم تعود الأمور إلى الجمود على أيدي مسؤولين أوروبيين آخرين وهكذا.
وهذا أمر غير مقبول في العلاقات الدولية أولاً، وغير مقبول لأنه لا ينطبق إلا على تركيا فقط، فهذا الحال لا ينطبق على غير تركيا من اعضاء الاتحاد الأوروبي، مما يعني ان هناك مشكلة رئيسية ينبغي التفاهم عليها بين تركيا والاتحاد الأوروبي بكافة دوله، فهل هو اتحاد سياسي للدول التي تقع على الأراضي الأوروبية، أم هو اتحاد مسيحي خاص بالدول المسيحية الأوروبية، وهل أمن تركيا غير أمن الاتحاد الأوروبي، وهل يجوز للاتحاد الأوروبي أن يفرض على تركيا قوانين مكافحة ارهاب لا تضمن سلامة أراضية ولا أمن مواطنيه؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس