محمود القاعود - خاص ترك برس
وصلت أمريكا إلى طريق مسدود في تركيا.. أو بالأحرى اصطدمت بصخرة صلدة اسمها أردوغان عصية علي المؤامرات المتتالية منذ عودة الشعب التركي لإسلامه، ولفظ العلمانية الشوفينية التي لم تجلب للبلاد سوى الخراب والانهيار الاقتصادي وتفشي الفساد.
ربما هو القدر الذي دفع بأردوغان لقيادة إحدى الدول الكبرى بالشرق الأوسط، وانتشالها من براثن التبعية والانهيار حتى صارت قوة اقتصادية تتحدي الدول الغربية، بالتوازي مع تلك النهضة استعاد الأتراك دينهم، وتاريخ أجدادهم الذين فتحوا العالم ونشروا الإسلام.
وإزاء صعود المارد التركي، كان لابد للولايات المتحدة الأمريكية أن تبحث كل السُبل الممكنة للإطاحة بأردوغان وتفتيت النواة الشعبية الكاسحة التي يستمد شرعيته منها، فعمدت أمريكا إلي حيلٍ شتى وطُرق عدة ، كان أهمها استخدام الآلة الإعلامية الجبارة التي تبث الأكاذيب بالليل والنهار عن ثراء أردوغان وأسرته وبناء القصور، وتحوله لديكتاتور يسجن معارضيه وشعوره بجنون العظمة! وكلها افتراءات لا أساس لها من الصحة يدحضها تواضع أردوغان والتحامه بالشعب والعمل من أجل بلاده لدرجة أنه لا يتمكن من لقاء أسرته إلا في أوقات متأخرة من الليل لانشغاله بهموم البلاد وشؤون العباد ، لكن الآلة الأمريكية الهوجاء لا تمل ولا تكل من بث الترهات والأراجيف، فالغرض الرئيس لأمريكا أن تتخلص من أردوغان دون تكلفة باهظة تؤثر في الغرب، فما فعلته أمريكا في دول عديدة لا يمكن حدوثه في تركيا، لموقعها الاستراتيجي، وللكثافة السكانية العالية (80 مليونا) التي تشكل هزة كبيرة في ربوع أوروبا في حال النزوح أو حدوث اقتتال أهلي.
سارت المؤامرة بوتيرة متسارعة، مع انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011م، فحضّرت أمريكا عفريت الأكراد، وموّلت ودعمت المنظمات الكردية الإرهابية وساندت المجرم السفاح الفاشي القاتل ابن القاتل بشار الأسد، ومنعت قيام منطقة حظر جوي بحلب، لينتقل لهيب الحرب إلى العمق التركي، وهو ما يحدث الآن بقصف مدينة كيليس وغازي عنتاب، ونقلت الإرهاب الأعمى الطائش إلى داخل المدن التركية، لضرب السياحة، كان آخرها التفجير الإرهابي الجبان بوسط إسطنبول صباح الثلاثاء 7 حزيران/ يونيو 2016م، الذي أودى بحياة 11 وجرح العشرات.
تريد أمريكا تركيا خالية من أردوغان، وبقراءة لطبيعة تفكير العصاباتية الأمريكية، فأمريكا ستسلك طريقين. الأول هو إخفاء الرئيس أردوغان من المشهد التركي بتصفيته أو اغتياله لتتخلص من الصداع المزمن في رأس أمريكا وأوروبا، ويخرج المتحدث باسم البيت الأبيض يدين ويندد!
الثاني هو الانقلاب العسكري، الذي تروج له الصحف الأمريكية بقوة الآن بزعم إنقاذ تركيا من الانقسام، وتصوير الجيش كأنه المنقذ من العمليات الإرهابية والداعم لتمتين العلاقات مع روسيا وإيران ونظام بشار الأسد! لتعود تركيا مع حكم العسكر إلى الحضن الأمريكي الدافئ.
يبدو السيناريو الثاني مستبعدا بنسبة كبيرة، بعد تطهير المؤسسات من الكيان الموازي والشخصيات العلمانية الكارهة للهوية الإسلامية، ولكونه سيكون محط انتقادات عالمية تدين الانقلاب على الديمقراطية، وعدم الاعتراف بالانقلاب – ولو شكليا – من الغرب.
يبقى أمام أمريكا السيناريو الأول. ربما تستخدم الموتورين أو تخترق القصر الرئاسي، أو تدعم الحزب الكردستاني الإرهابي لينفذ عملية دموية، أو تُمَنّي أحد الجنرالات الطامحين وتغريه بالتخلص من أردوغان الذي يُشكل كابوسا يطارد الأمريكان في منامهم.
يظل أردوغان فكرة لا تفنى بفناء صاحبها. نسأل الله أن يحفظه. أما الأمريكان. فيصدق فيهم قول الأعشى:
كَـنَـاطِحٍ صَخرَةً يَـوْمًا ليُـوهِنَهَا *** فَلَمْ يَـضِرْها وَأوْهَـى قَـرْنَهُ الـوَعِلُ
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس