برهان الدين دوران - صحيفة ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
الإرهاب مشكلة عالمية، بيد أن تركيا استهدفت أكثر من أي بلد آخر في أوربا على مدى الأشهر الماضية. قتل المجرمون من داعش أو من حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" عشرات الأبرياء بدم بارد.
في أول يوم من أيام شهر رمضان المبارك شن حزب العمال الكردستاني هجمات بسيارات مفخخة في إسطنبول وماردين أودت بحياة 18 شخصا، بينهم مدنيون وضابطة شرطة في الشهر السادس من الحمل. وعلى الرغم من أن المنظمة الإرهابية فقدت أكثر من 7000 شخص من أعضائها نتيجة لحملتها المضللة من أجل الحكم الذاتي، فإن أعضاءها مازالوا ملتزمين بترويع المناطق الحضرية. وبعد أن ضمن الحصول على دعم من واشنطن وموسكو يبذل حزب العمال الكردستاني محاولات مستميتة من أجل البقاء فاعلا في تركيا.
كسب العمال الكردستاني أراضي في شمال سوريا بفضل السلاح والتدريب والمستشارين الأمريكييين. ومن أجل استمرار الحرب في شمال سوريا جند الحزب الشباب في جنوب شرق تركيا، وفي الوقت نفسه يقدم وعودا كاذبة من أجل العودة إلى محادثات نزع السلاح لاسترضاء الإدارة الأمريكية، وإصلاح علاقاته مع أكراد تركيا الذين سئم كثير منهم الإرهاب والدمار.
في الأسبوع الماضي قال رئيس الوزراء بن علي يلديريم للصحفيين إن قيادة العمال الكردستاني سعت للتواصل مع السلطات للعودة إلى الحوار. وفي الوقت نفسه حثت العديد من وسائل الإعلام الحكومة على العودة إلى محادثات نزع السلاح مع حزب العمال الكردستاني، مشيرة إلى الخسائر الكبيرة نتيجة للصراع. ويتبرم هؤلاء من تعهد حزب العدالة والتنمية بالالتزام بالخيار العسكري، ويزعمون أنه كان من الخطأ رفع الحصانة عن بعض أعضاء البرلمان.
صار واضحا أن حملة مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تكون تحت السيطرة الحصرية لقوات الأمن، بل يجب أن تبقى القيادة السياسية على اتصال بالمجتمعات المتضررة، وأن تتخذ الخطوات اللازمة لإعادة بناء المناطق التي ضربها العنف، وأن تعزز النمو الاقتصادي في جنوب شرق تركيا. وفي الوقت نفسه يجب على تركيا ألا تحرم القوميين الأكراد من حقوقهم السياسية، لأن السياسة سلاح أساسي ضد العنف.
ومع ذلك فإن الدعوة لاستئناف الحوار بين تركيا وحزب العمال الكردستاني دعوة ضارة وفي غير أوانها. هي دعوة ضارة لأن احتمال إجراء المحادثات قد يضعف الوسط اللازم لإجراء العمليات الأمنية الناجحة. وهي دعوة في غير أوانها لأنه لا حزب العمال الكردستاني ولا رعاتهم الدوليين يريدون إنهاء العنف في تركيا قبل انتهاء الحرب الأهلية السورية.
في العام الماضي شعرت قيادة العمال الكردستاني بسعادة غامرة مع فوز جناحها السياسي في الانتخابات، وذلك بعد عامين من انتهاء وقف إطلاق النار من جانب واحد. يريد قادة حزب العمال اليوم باستماتة العودة إلى محادثات نزع السلاح من أجل استعادة قوتهم في جنوب شرق تركيا، ويرغبون في الوقت نفسه في استغلال وقف إطلاق النار المحتمل في تركيا لتعزيز قبضتهم في سوريا والعراق . صار من الواضح أن أحدا لا يتوقع منهم أن يفكروا بجدية في نزع السلاح. وإذا كان في استطاعتهم أن يخبروا الساسة الغربيين والمعارضة في تركيا أنهم يحاولون إجراء حوار، فإن حكومة العدالة والتنمية ستجد نفسها على حافة الفشل.
إن المعلقين السياسيين الذين يحبون الشكوى من أن حزب العدالة والتنمية لا يريد السلام فاتتهم ثلاثة أمور مهمة:
1- حاول حزب العدالة والتنمية مرتين خلال السنوات الأخيرة الدخول في محادثات نزع السلاح مع حزب العمال الكردستاني. في المرتين أنهى حزب العمال الكردستاني المحادثات من جانب واحد، ويتوقع أن يدفع حزب العدالة والتنمية الفاتورة. أما اليوم فإن حزب العمال الكردستاني وجناحه السياسي لا يتمتعان إلا بقليل من المصداقية.
2- لا يمكن أن تكون هناك عودة غير مشروطة لحادثات نزع السلاح. وإذا بدأت أنقرة التفاوض مع حزب العمال الكردستاني قبل موافقة الحزب على نزع سلاحه، فإن الفشل الناتج عن ذلك سيلحق ضررا لا يمكن إصلاحه في العلاقات بين الأكراد والدولة التركية.
3- وأخيرا ستواصل تركيا حماية حقوق الأكراد والدفاع عنهم وتعزيز رفاهيتهم، بغض النظر عما يفعله حزب العمال الكردستاني. لا يمكن أن تكون هناك استثناءات أو تحفظات عندما يتعلق الأمر بهذه القضية المهمة. لكن الحكومة لا يمكن لها البقاء من غير التزام محدد بنزع السلاح كشرط مسبق لاستئناف الحوار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس