قطب العربي - عربي 21
مرة أخرى يعود الحديث عن احتمالات إعادة العلاقات المصرية التركية المقطوعة منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، وهو الحديث الذي لم ينقطع يوما، والذي بدا نوعا من "الغزل الخشن" بين الطرفين؛ لأنه لا ينبع عن رغبة صادقة من كليهما، بل عن ضغوط داخلية أو خارجية تتصاعد حينا وتهبط حينا عليهما.
ومع تجدد الحديث عن احتمالات عودة العلاقات، تدور الأسئلة الطبيعية عن تأثير ذلك على وضع رافضي الانقلاب المقيمين في تركيا، بل عن احتمالات تطور هذه العلاقات نحو التوصل إلى تسوية سياسية بين سلطة الانقلاب ورافضيها.
الحديث الجديد عن عودة العلاقات ورد على لسان رئيس الوزراء التركي الجديد بن علي يلدرم الذي أطلق في 28 يونيو الماضي عبر حديث تلفزيوني مع القناة الرسمية التركية إشارة مصالحة مع مصر، وإن قصرها في حديثه على الجانبين الاقتصادي والعسكري دون السياسي الذي كرر فيه موقف الرئيس أردوغان من رفض قاطع للانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر.
وقد رحب المتحدث باسم خارجية السيسي بتصريحات يلدريم حول تحسين العلاقات، وعقب ذلك تكررت التصريحات من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في الاتجاه ذاته، لكن الخطوة العملية الأولى كانت بمشاركة وفد من اتحاد الغرف التجارية التركي الذي ضم 4 أشخاص برئاسة رفعت حصارجيكلي أوغلو، رئيس الاتحاد، للمشاركة في مؤتمر اتحاد الغرف التجارية الإسلامية الذي استضافته القاهرة مؤخرا.
لكن لا يمكننا بناء أي انطباعات قوية بسبب هذه الزيارة لكونها مجرد زيارة بروتوكولية لوفد تجاري يمثل بلاده في مؤتمر إسلامي دولي، حتى وإن تم ذلك بموافقة رسمية من الخارجية التركية، أما الزيارة التي يمكن البناء عليها، فهي الزيارة المرتقبة لوفد من حزب العدالة والتنمية الحاكم، والتي أعلن عنها نائب رئيس الحزب شعبان ديشلي، والتي قال إنها ستكون تمهيدا لزيارات أخرى على مستوى الوزراء بين البلدين.
لا يمكننا إغفال الضغوط الشديدة التي تتعرض لها تركيا من أطراف إقليمية ودولية بهدف تركيعها، وإفشال حكومة أردوغان عبر تصدير المشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية لها، ولا يمكننا تجاهل أن تلك الضغوط تلقى استجابة من بعض دوائر صنع القرار في تركيا، التي ترى تغليب المصالح الاقتصادية على الحسابات السياسية والمبدئية.
وفي الوقت نفسه، لا يمكننا تجاهل صلابة موقف الرئيس أردوغان ضد الانقلاب، والذي يحرص كلما حانت الفرصة على تأكيدها، وكان آخر تصريحاته يوم عيد الفطر، حين أكد أنّ تركيا ليست لديها مشاكل مع الشعب المصري، وأنّ المشاكل تكمن مع الإدارة، خاصة مع الحاكم الانقلابي "عبد الفتاح السيسي، متسائلا في هذا الخصوص عن سبب حكم السجن المؤبد بحق الرئيس الشرعي المنتخب من قِبل الشعب وزملائه في مصر، واصفا تلك الممارسات بحق الرئيس محمد مرسي وزملائه بالظلم، ومشيرا إلى عدم قبول بلاده لهذه الممارسات.
على ضوء ما سبق، يمكننا أن نتوقع تباطؤا في إصلاح العلاقات بين البلدين، وفي أحسن الأحوال اقتصارها في مرحلتها الأولى على الجانب الاقتصادي حيث يقتنع الطرفان بأنها سيكونان مستفيدين من ذلك، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري والاستثمار المباشر بين الدولتين 7,5 مليار دولار، منها 4.5 مليار دولار حجم التبادل التجاري، و2.2 مليار دولار حجم الاستثمار التركي في مصر، و800 مليون دولار حجم الاستثمار المصري في تركيا، في مجالات السماد والكيماويات والملابس الجاهزة والسلع الغذائية.
ووفق بيانات اقتصادية، فإن حجم الاستثمارات التركية في مصر بنحو 2 مليار و200 مليون دولار، ولتركيا مجموعة من المصانع (814 مصنعا وشركة) في المناطق الصناعية بمدن 6 أكتوبر وبرج العرب وبورسعيد وغيرها، ويصل حجم العمالة المصرية في المصانع التركية نحو 52 ألف عامل، أغلبها يتركز في صناعة الملابس والكيماويات والمنسوجات، وبالطبع ستستفيد تركيا من تصريف منتجاتها في السوق المصري أو النفاذ من خلاله إلى الأسواق الأمريكية عبر اتفاقية الكويز، أو الأسواق الأفريقية عبر مجموعة الكوميسا، كما سيستفيد نظام السيسي من دخول استثمارات تركية مباشرة تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي وخلق فرص عمل للعاطلين.
قد تنجح الوساطات الإقليمية في دفع الطرفين لتطوير العلاقات السياسية، وهنا لا يمكننا أن نتجاهل تأثيرات ذلك على رافضي الانقلاب بل على الموقف من الانقلاب ذاته، فقد تجد القيادة التركية نفسها في مواجهة الضغوط المتصاعدة داخليا وخارجيا مضطرة لإعادة العلاقات مع نظام السيسي ما يعني اعترافا بحكمه، ويكون السيسي هو الرابح الأكبر من ذلك، كونه استطاع كسر إرادة أردوغان، الذي يرفض الاعتراف بالسيسي، والذي لا يكاد يخلو خطاب له من نقد السيسي.
لكن تركيا لن تجعل هذا الاعتراف أيضا بلا ثمن؛ إذ قد تطلب وقفا لأحكام الإعدام التي صدرت بحق الرئيس مرسي وكبار القادة السياسيين، والإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين، وقد يتطور الأمر إلى طرح مبادرة للتسوية السياسية بين نظام السيسي وأنصار الشرعية، وقد ألمح لذلك وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في حديثه لصحيفة اللوموند الفرنسية قبل أيام، حين سئل عن احتمالات طرح مبادرة تركية للمصالحة بين النظام والإخوان، قائلا إن بلاده مستعدة لذلك عندما يكونون جاهزين، وهذا ما ينبغي التحسب له بشدة، وتحديد الموقف منه قبولا أو رفضا، بحسابات المكاسب والخسائر المتوقعة، ومن ذلك احتمالات التضييق على رافضي الانقلاب المقيمين في تركيا، ومنابرهم الإعلامية، وأنشطتهم وتحركاتهم السياسية، حتى وإن لم يصل الأمر إلى حد مطالبتهم بالمغادرة.
في اعتقادي أن زيارة وفد حزب العدالة والتنمية (حال تمامها) ستكون بمثابة جولة استكشافية، وأنها ستوصي إما بقصر تحسين العلاقات على الجوانب التجارية والاقتصادية وحتى العسكرية، أو تطويرها إلى الجانب السياسي، أو حتى إمكانيات طرح مبادرات تسوية في مصر، وهذا الأمر الأخير سيتوقف أيضا على مدى جاهزية قوى الثورة والشرعية لذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس