ترك برس

عكس الشعب التركي بمقاومته التي أبداها في ليل الخامس عشر من تموز/ يوليو، تصوير حقيقي لمعنى عبارة "الحكم للشعب"، هذا ما وصفه بعض الخبراء الأتراك بالإعلان الصريح لانعدام أي قوة فوق القوة الشعبية في تركيا بعد اليوم.

ولطرح معنى عبارة "الحكم الشعب" بشكل أوضح، يقول الكاتب السياسي "علي أصلان"، الكاتب في صحيفة ستار المحلية، إن هذه العبارة لا يمكن لها أن تتّضح إلا من خلال إلقاء لمحة سريعة على التاريخ السياسي التركي، حيث سيلاحظ المطلع أن الطبقة العسكرية والمدنية البيروقراطية تدخلت في فترات متفاوتة لرسم المسار السياسي في تركيا، حسب رؤيتها الخاصة متجاوزة بذلك الإرادة أو الرؤية الشعبية، مضيفًا أن 15 تموز كان الفيصل المحوري في شريط الحياة السياسية في تركيا، إذ أُعلن في ذلك اليوم، بأن بوصلة الجغرافيا السياسية في تركيا انحرفت نحو الإرادة الشعبية والمحلية، معلنةً انقضاء محاولات تجاوز الإرادة الشعبية بلا رجعة.

واستطرد أصلان في مقاله "جيبولوتيكا شعبية ومحلية" بأن تركيا أُديرت منذ تأسيس الجمهورية وحتى التاريخ القريب من خلال فئة وصفت نفسها "بالفئة العليا" التي مثلها الفريق "الكمالي" وحكم من خلالها تركيا لفترات طويلة، متكئًا على الجيش تارة وعلى البيروقراطية المدنية تارة أخرى.

ووفقًا لما يوضحه أصلان، فإن الكماليين استمروا في السيطرة على السلطة حتى أقدمت مجموعة غولن على تخفيف حدة سيطرتهم من خلال عدة وسائل، أهمها الجهاز القضائي والشرطة، ولكن بعد فترة من الزمن وبعد تعمق سيطرة غولن على بعض المواقع الحساسة في الدولة، لُوحظ بأنها شرعت في الاتجاه نحو استخدام تلك السلطة لتوجيه حكومة حزب العدالة والتنمية التي تمثل الإرادة الشعبية، وفقًا لرؤيتها حتى لو كانت مخالفة للإرادة الشعبية، لتبيّن للعامة أنه لا فرق بين هدفها وهدف الكماليين الذين سبقوها.

ووفق مقال أصلان، فإن الشعب التركية ممثلًا بحكومته عمل منذ عام 2002 وحتى عام 2013، على تطهير الدولة من نظام الوصاية البيروقراطية العسكرية والمدنية الكمالية، إلا أنه لاحظ بعد عام 2012، بأن جماعة غولن لا تحمل في طيات أهدافها ورؤيتها أي اختلاف عن الفئة الكمالية، فاضطر للانحدار نحو مكافحة عناصر تلك الجماعة التي خدعت الجميع بتغلغلها داخل الدولة وتوظيف مؤسسات الدولة لصالح مصالحها التنظيمية.

ويؤكد أصلان أن وعي الإرادة الشعبية وتحركها بدءا بالظهور إلى السطح بتاريخ 28 نيسان/ أبريل 2007 الموافق لإعلان المذكرة العسكرية الانقلابية، ومن ثم في أحداث غيزي بارك عام 2013، تلك الأحداث التي دُعمت من قبل محاربي النمو الاقتصادي التركي، ومحاولة انقلاب جماعة غولن ما بين 17 إلى 25 كانون الثاني/ ديسمبر 2013، وفي النهاية في محاولة الانقلاب الفاشلة التي كشف الغطاء الأخير عن جماعة غولن، مشددًا على أنه إن كان هناك فضل لأحد في ذلك، فيعود ودون أدنى ريب للشعب الذي أظهر ردة فعله الأقوى على محاولات السيطرة على مؤسسات الدولة لصالح تنظيم غير وطني.

وحذر أصلان من منح الكماليين فرصة لإعادة تجميع قواهم داخل الدولة من جديد، بدعوى وقوفهم إلى جانب الديمقراطية وعكس صورة الوحدة والاتفاق، معربًا عن أمله بأن يأخذ حكومة حزب العدالة والتنمية الاحتياطات اللازمة لتدعيم مؤسسات الدولة بكوادر شعبية صادقة لوطنها ودولتها فقط.

ومن مجمل الاقتراحات التي قدمها أصلان للحكومة لدرء أي عملية تغلغل جديدة، الإصلاح المؤسساتي الذي يستند إلى توثيق نظام الرقابة داخل المؤسسات الحكومية، بحيث يعتمد على عددها الكبير وصلتها المباشرة بالهيئات العليا "رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء".

وإلى جانب تلك الخطوة التي يراها أصلان أساسية، يقترح ثلة من الإجراءات الأخرى التي يعتبرها الأسس التي ستحفظ الإرادة الشعبية في تركيا:

ـ تشديد معايير التعيين بشكل يجعلها قريبة لاستيعاب الكوادر الشعبية أكثر منها للكوادر التنظيمية أو الفئوية التي أرهقت تركيا منذ تأسيسها وحتى اليوم.

ـ إعادة تقييم المناهج التربوية المستخدمة في القطاعات المدنية والعسكرية، ورسم مناهج جديدة تعتمد على تقديس الشعب والتقاليد والقيم الشعبية، عوضًا عن تقديسها لشخصيات معينة.

ـ اتباع نهج الشفافية والموضوعية والمساءلة البيروقراطية أمام الشعب، والابتعاد عن نهج إخفائها وكأنها سر استخباراتي دائم.

ـ تحصين مؤسسات الدولة باستقلالية اقتصادية واجتماعية تمكنها من تحقيق الاستقلالية السياسية على الساحة الدولية. يتم ذلك عبر الاعتماد على نموذج اقتصادي قائم على الإنتاج المحلي، لا سيما في القطاع العسكري، وكما أن إيلاء الدروس التربوية الأهمية العالية يعطي بريق أمل في تحقيق الثقافة المحلية الأصيلة وبالتالي الاستقلالية السياسية على الصعيد العالمي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!