سليم الخطيب - خاص ترك برس

لست أبالغ إذا قلت إن هذه الحكمة هي أكثر حكمة مفيدة تعلمتها في الثورة السورية، أخبرني بها صديق جمعني به التشرد بعد ملاحقة أفرع الأمن لكل منا على حده، لقد ساقني القدر للقائه مختبئًا داخل بيت دمشقي في أحد الأحياء اللطيفة الهادئة من دمشق القديمة، التي طالما شعرنا بالدفء والطمأنينة داخلها عندما لاحقنا النظام بكل إمكانياته، وقتها كان اقتحام النظام لسقبا الذي سرق فيه النظام سوق الموبيليا الشهير وأخذ منه أثاثًا بقيمة بمليار ونصف ليرة سورية، حينها قال لي تقدم النظام مؤقت كما أن تحريرنا للغوطة أيضًا مرحلة ربما نضطر لها، لكنه أيضا مؤقت وإياك أن تتعامل مع المؤقت مها طال على أنه دائم، هذه هي العبارة التي طالما رددتها عند مطالعتي لبعض الأخبار السياسية.

اليوم عدت لأرددها مع قراءتي للقاء الذي جمع الرئيس التركي مع نظيره الروسي، والذي نُوقِش خلاله الملف السوري وربما نتج عنه قرارات دخلت حيز التنفيذ، فمسؤولو متابعة الملف السوري في الخارجية والمخابرات التركية قد سبقوا الرئيس التركي إلى روسيا لإنهاء التحضيرات، حتى بات وكأن اللقاء بمثابة قَص الشريط النهائي.

ولما لا!!!؟

فتركيا التي يئست قبل سنوات من الاتحاد الأوروبي، بعد محاولات طويلة للدخول إلى سوقه المشتركة، بنت استراتيجية مختلفة اعتمدت فيها أكثر على الشرق الأوسط كسوق لبضائعها أولًا، وكمحور لعملها السياسي ثانيًا، ولا شك أن دخولها معترك الشرق الأوسط حوَّلها إلى لاعب إقليمي أكثر أهمية في منطقتها ومن ثم في العالم، خاصةً إذا أضفنا أنها البلد الصناعية الوحيدة تقريباً المتقدمة في المنطقة.

أما بوابتها الأولى لهذه الاستراتيجية فهي لا شك سوريا، ولكي تضمن الاستقرار لهذه الاستراتيجية كان لا بد من مناقشة القضية السورية الإسرائيلية، فبدأت عام 2008 مباحثات السلام ترى الحياة مرة جديدة برعاية تركية، ولأن بشار الأسد يومها كان يبحث عن مشترٍ جديد لسوريا محاولًا بيع ما باعه سابقًا أبوه للروس في الثمانينيّات، انفتح على تركيا ظانًا أنه سيغلي بضاعته أكثر إذا خلق جو تنافس من خلال الصفقات التي كان يحاول موازنتها بين إيران وتركيا، ففي حين فتح البلد للسوق التركية وبضائعه، سمح ببناء الحسينيات لإيران وفتح باب التقارب السني الشيعي.

لكن السياسة التركية التي صعب عليها التماشي مع دناءة النظام وغبائه، وجدت فرصة للتنفس مع اندلاع الثورة السورية، فقطعت علاقتها بالنظام ووقفت إلى جانب الشعب، منسجمة في ذلك واستراتيجيتها، معتمدةً في النفوذ إلى سوريا على الاستثمار بالشعب وتأييد مطالبه.

وهي نفس السبيل التي سلكتها إيران من قبل لكن بغباء طائفي قاتل، متناسيةً أن دمشق جذر السنة الضارب في التاريخ، وأن ما فشل فيه الفاطميّون خلال مئتي عام من حكمهم دمشق، لن تنجح فيه إيران من خلال معتوه كبشار الأسد، لذلك خسرت الرهان.

أما تركيا التي تقرأ التاريخ جيدًا، لم تنسى أبدًا أن خيار الشعب السوري كان مع العثمانيين ضد المماليك، فقط لأن المماليك تحالفوا مع الصفويين الفرس، ولم تتجاهل أن الشعب السوري لديه من الروابط والعلاقات والأسباب الكافية ليقبل الأتراك مقارنةً بأي دولةٍ أخرى.

وبالعودة إلى اللقاء المنعقد في بطرسبرغ والذي تناقش الرئيسين فيه حول مصير بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، فبرأيي أن روسيا أكدت على أن بشار الأسد لا يعني لها أكثر من مجاملة لإيران لتضمن قربها، لأن إيران لما فشلت بالاستثمار في الشعب السوري راحت تستثمر بشخص المجرم لدرجة توظيف حراسه الشخصيين، ودفع كل أولئك القتلى في سبيل بقائه، ربما لأنها تعلم أن باقي مسؤولي الدولة وموظفيها ولاؤهم لروسيا، ومحال أن يقبلوا بحكم ولاية الفقيه.

هذا هو الفرق الجوهري بين روسيا وإيران، فكل كوادر النظام السوري من جيش وشرطة ومخابرات وأجهزة أمن تدربت في روسيا، حتى الخبراء الذين كانوا يدربون الجامعيين السوريين قديمًا كانوا من الروس، ولم نعرف الخبراء الغربيين كالأمريكان والفرنسيين مثلًا إلا في عهد المجرم الابن، فقاعدة المثلث في النظام السوري روسية استثمرت فيها روسيا طيلة العشرين السنة الأخيرة من حكم المقبور حافظ الأسد.

الخلاصة التي أريد قولها أن اللقاء الذي جمع بين الرئيس التركي والروسي والاتفاقات الحاصلة فيه قد تكون مؤقتة ينبغي أن لا يُتعامل معها على أنها دائمة، وتركيا التي استثمرت كل هذا الاستثمار في القضية السورية لن تغير استراتيجيتها بهذه السهولة، أما الحقيقة التي لا تقبل الشك، أن الشعب السوري لما قام بثورته لم يستأذن أحد ولم ينظر إلى توازنات الدول الاقليمية فضلًا عن العالمية، وسيكمل طريقه إلى النهاية، وليقبل ببشار الأسد من يشاء فطالما لم يقبل به الشعب السوري فلا معنى لقبول أحد له.

عن الكاتب

سليم الخطيب

عضو في الائتلاف الوطني السوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس