محمد عمر زيدان - خاص ترك برس
بقيت مدينة العنب صامدة على مدار السنوات الخمس الماضية من عمر الثورة السورية وكان لهذا الصمود الأسطوري وقع شديد على سير الثورة فقد كرس فكرة أن الثورات تنتصر بالأمعاء الخاوية والأجساد الضعيفة والإرادة القوية، فعلى الرغم من الحصار المطبق على داريا من الجهات الأربعة في الآونة الأخيرة بعد قطع النظام المجرم للشريان الوحيد الذي كان يربطها بشقيقتها المعضمية، بقيت المدينة صامدة صمود أشجار العنب فيها ولم يكتفي النظام المجرم بالحصار فحسب وإنما لجأ لأحقر السبل وأشنع الطرق في القضاء على المقاومة في مدينة الكرمة.
فقام بتدمير ممهنج للمدينة شبرًا شبرًا فدمر بنيتها التحتية ولم يبق ولم يذر لا على مدرسة ولا مسجد ولا بناء ولا ملجأ حتى النقاط الطبية لم تسلم من أذاه، وكل هذا أمام أعين العالم المشترك ضمنًا بالجريمة، هذا العالم بأسره الذي لم يستطع ردع الظالم عن ظلمه وبدلاً من أن يقوم بحماية داريا وأهلها تحت مظلة الأمم المتحدة وحماية حقوق الإنسان كان السكين التي شرعنت للأسد ذبح الضحية ومن نجا من مجازر الأسد اضطر إلى التهجير القسري. وأمام تخاذل العالم بنصرة داريا من جهة وتخاذل أخوتها من جبهات حوران والقنيطرة والغوطة الشرقية من جهة آخرى والحفاظ على أرواح من تبقى من الأطفال والنساء والشياب من جهة ثالثة جعل قادة الفصائل في داريا يضطرون إلى توقيع اتفاقية سلام وليس استسلام وبرعاية أممية تنص على خروج المقاتلين بأسلحتهم الخفيفة إلى إدلب وخروج المدنيين إلى مناطق النظام في صحنايا.
نعم نقول معاهدة سلام لأنها سلّمت أرواحهم وحفظت أعراضهم ولا نقول استسلام لأن نظام الأسد وعلى الرغم من ترسانته العسكرية لم يستطع تدنيس أرض داريا طالما رجالها فيها ولكن بعد خروج رجالها وكعادتهم أتباع النظام يتسابقون للتصوير من داخل داريا لإيهام العالم بالنصر التاريخي الذي حققوه. ولكن الذل الذي أصاب النظام من خروج أبطال داريا مرفوعين الرؤوس ويشيرون بأصابع النصر أمام كاميرات النظام الفاجر أصاب النظام بالغيظ والخزي أمام أنصاره وأزلامه ولكن كما طال الذل النظام فإنه أيضًا أصاب أخوة السلاح ورفقاء الدرب في حوران والغوطة الشرقية فكان هذا الخروج شامة في وجوه أبطال داريا ومعرة في وجه قادة الموك في حوران والغوطة الشرقية ولكن أيًا كان الأمر فالنتيجة هي تهجير قسري لأهل داريا.
ولكن السؤال المطروح على طاولة البحث ماذا بعد داريا؟
مما لا شك فيه أن الرئة الثانية في جسد الغوطة الغربية المعضمية ستكون الهدف الثاني للنظام قاصر دمشق الذي لن يألو جهداً في السيطرة عليها حتى لو كلفه إزالة هذه المدينة من الخارطة السورية، لذلك بدأ يستخدم معها نفس الطرق التي اتبعها في داريا من تهديم البنية التحتية وتدمير شامل لكل المرافق العامة وسياسة التجويع الممنهج ظنًا منه أنه قادر على كسر إرادة اهل المعضمية بفرض شروط مذلة بعدما لبس عباءة النصر المزيفة ومن هذه الشروط استسلام المقاتلين وتسليم أنفسهم ومن ثم يقوم النظام بتسوية أوضاعهم (إعدامهم) ولكن رفض المقاتلين هذه الشروط جعل النظام يدخل في سباق مع الزمن وكأن العالم منحه فرصة محدودة لإنهاء معارك دمشق وإلا فلن يستطيع العالم تحمله أكثر من ذالك ولهذا نرى القصف الهمجي بكل الأسلحة المحرمة دوليًا من براميل وغاز الكلور والفسفور الحارق والنابالم.
صحيح أن هذه الأسلحة محرمة دوليًا إلى أن نظام الأسد مستثنى منها نظرًا لوجود الفيتو الروسي الأمريكي، والحقيقة بأن نظام الأسد مع أنه حقق نصرًا وهميًا إلا أنه يبقى نصرًا إذ لو استطاع تهجير أهل المعضمية فإنه لن يبقى سوى خان الشيح التي تبعد عن دمشق 15 كيلو مترًا وبذالك يضمن حماية دمشق ناريًا بعد توقيع سلسلة من المصالحات اللاوطنية مع الحجر الأسود والحجيرة ويلدا وببيلا، ولم يبق في الميدان سوى حديدان كما يقول المثل العربي ومن هو حديدان الآن هو حي جوبر الدمشقي أقرب نقطة لدمشق الذي من المتصور أن يشن النظام النصيري عليه حملة شعواء لإخراجه من المعادلة الثورية ومن ثم يتفرغ للغوطة الشرقية وقادتها المتناحرين فيما بينهم على زعامة الغوطة ومن ثم يستدرج المناطق التي صالحت لإخضاعها بعد أن تكون قد تجردت من كل شيء وفقدت حلفاء الأرض ومن ثم يأتي دور قادة الموك الذين سيولون الدبر بأموالهم إلى أقرب مستنقع ويتركون عامة الناس إلى مصير غامض. نعم هذه نظرت سوداوية لخارطة دمشق ولكنها نظرة حقيقة وموضوعية والكل يعلمها والكل متجاهل لها إما لطمع الدنيا أو لتطمينات الداعم الخارجي أو لجنون العظمة الذي ضرب رؤوس الكثير من القادة الثوريين.
وأخيرًا نقول لكل قادة دمشق والغوطة لم يفت الأوان بعد ما زال لديكم الكثير من أوراق الضغط على النظام ومن أهمها قرب جيش الإسلام من دمشق هذا يعنى أنها بمرمى صواريخه وانتفاضة شرفاء درعا سيخفف الضغط عن الغوطتين فآن لكم أن تقتدوا بثوار الشمال الذين فتحوا طريقًا لحلب وأنتم لستم أقل شهامة ورجولة حتى تفتحوا طريقًا للغوطتين فلملموا أوراقكم المبعثرة وانطلقوا فمازلنا نعول عليكم كثيرًا فأنتم أخوة السلاح ورفقاء الدرب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس