محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
ربما تكمن الغرابة في طلب الرئيس الأمريكي أوباما مساعدة تركيا لها في القضاء على تنظيم داعش في الرقة والمفاجئ نوعا ما لكافة الأوساط الدولية وكذلك أيضا لفصائل المعارضة السورية والتي كانت تناقش خططها وبرامجها داخل صالونات العاصمة البريطانية، والغريب في هذا الطلب أنها طرحت في وقت كانت الوفود المجتمعة في لقاءات ثنائية مع الرئيس الأمريكي أوباما تتوقع سماع مقترحات أمريكية حول النقاط الأساسية التي عقدت من أجلها التجمع لدول العشرين والتي كانت حول الاقتصاد والتغيير المناخي والتلوث، الرئيس التركي المعني بالاقتراح والذي على ما يبدو أنه لم يكن يتوقع توقيت هذا الاقتراح أو الطلب الأمريكي، بل كان المتوقع لهذه الطروحات أن تتم اثناء لقاء الرئيسين أردوغان وأوباما في الزيارة المتوقعة والتي أعلن عنها للرئيس التركي إلى واشنطن في بداية الشهر القادم.
إن التأويل الأولي للطلب المفاجئ والمتسارع والذي أفصح عنه الرئيس التركي - وهذا الإفصاح كان متوقعا للأمريكان، هي عبارة عن ورقة ضغط أمريكية أخرى بل وربما الأخيرة للروس في مفاوضاتهما والمستمرة منذ مدة حول المسألة السورية ورغم أن توقيت الطلب يفسر للوهلة الأولى بأنها فعلا ضغوطات أمريكية للروس في سير المفاوضات وحسب التكهنات والتحليلات، لكن الحقيقة أن المسألة تحمل في طياتها الكثير من الألغاز والأحجيات والتي تبدو أنها على وشك أن تفك طلاسمها وألغازها، أي بمعنى أن اللعبة السورية وإن كانت مكشوفة للعيان ولكن لم يصرح عنها علانية القوى الكبرى وهم اللاعبين الرئيسين المهيمنين في الساحة السورية المنكوبة.
أولى هذه الألغاز أن الأمريكيين يرون أن المعركة في سوريا قد بدأت الآن بالنسبة لهم جراء الإخفاقات المستمرة للروس حول القضاء على داعش ناهيك عن قيام الروس بقصف أهداف مدنية بعيدة عن سيطرة وتواجد داعش، وفي هذه الحالة يتحتم على السوريين الانتظار مرغمين وهم أمام حالتين إما تكون هناك معارك وصولات وجولات قادمة قد تستمر لفترة لا يعلمها إلا الله أو تكون هذه هي بداية نهاية الأزمة السورية.
ورغم أن كل التكهنات والاستنتاجات حول دخول أمريكا على الخط بصورة مباشرة أوغير مباشرة بمساندة الأتراك في القضاء على داعش هي غير واقعية إذا استثنينا المصالح الأمريكية وأهدافها من العملية لأن الذي يحتم على الولايات المتحدة التشبت بمصالحها قبل التفكير بالحالة المأساوية للسوريين ومعاناتهم هو لوجود الروس وحلفائهم الايرانيين وحزب اللله اللبناني والفصائل الشيعية العراقية المساندة للنظام السوري وهولاء جميعا لم يكونوا في الساحة السورية لو لم تتطلب مصلحتهم الذاتية ذلك، لذا فمن الطبيعي أن تكون لأمريكا مصلحة أيضا تقاطع مصلحة هولاء المتواجدين في الساحة ومن المؤلم حقا أن كل الأطراف المتواجدة الآن في الساحة جاءت من أجل مصلحة تختلف عن مصلحة الأطراف الأخرى، وبالتأكيد إن أمريكا ستتقاسم الغنيمة مع كل طرف بل إنها تفكر أن يكون (الغزال لغذائه والخروف لعشائه ويأكل الأرنب بينهما).
ومن الطبيعي أن يطلب الأمريكان من الأتراك المساعدة في مسألة محاربة داعش في الرقة بعد العمليات المفاجئة والسريعة للقوات التركية والتي أدت إلى إبعاد داعش عن حدودها ومنع الميلشيات الكردية من الامتداد نحو غرب نهر الفرات إضافة إلى أن الأتراك هم حلفاء حقيقيون لأمريكا باعتبار عضويتهما في حلف الناتو - لكن طلب المساعدة من الأتراك يعني أن أمريكا قد فكرت جديا بإرسال قوات برية إلى الأراضي السورية جنبا إلى جنب مع الأتراك وهذا هو الحدث المستجد في المسألة السورية بعد أن كانت أمريكا تشارك بالسلاح الجوي فقط في استهدافها لمواقع سورية.
ولغرض فهم المسألة المستجدة من الأحداث وثأثيرها على مجمل العمليات العسكرية ضد داعش يجب علينا أن ننوه إلى عدة نقاط لها صلة وثيقة بمحاربة داعش سواء في الرقة أو في مناطق أخرى من سوريا وربما في الموصل أيضا في وقت لاحق وهذه النقاط هي:
1- الاتفاق الأمريكي مع تركيا يعني الموافقة على كافة الشروط التركية حول موقفها من المليشيات الكردية السورية والذي يعني أن هذه المليشيات ستكون مرة أخرى ضحية اتفاقات سياسية وأن مساعيها لملء الفراغ السياسي والأمني أثناء انسحاب القوات السورية النظامية من مناطقها قد باءت بالفشل.
2- منع أية مبادرة روسية وإيرانية من التقدم باتجاه الشرق السوري وبالتالي بالاتصال مع بعض الفصائل التي تلقى الدعم والإسناد غير المباشر من إيران وربما من روسيا والمتاخمة للحدود العراقية.
3- منع انتشار الفصائل الشيعية إلى الجنوب والجنوب الشرقي بمحاذاة الحدود الأردنية والقريبة من الحدود السعودية وفي هذه الحالة تكون السعودية المستهدف الثاني بعد الأردن عند امتداد انتشار هذه الفصائل والجدير بالذكر أن بعض الإجراءات والتي أصدرتها الحكومة العراقية زادت أيضا من المخاوف السعودية ومنها تحويل تبعية قضاء النخيب إلى مدينة النجف ذات الثقل الشيعي والمدعوم من إيران وهي المتاخمة للحدود السعودية.
4- ربما لم يفصح الرئيس التركي عن كامل التفاهمات والاتفاقات التي حصلت مع الرئيس الأمريكي لأن وصول القوات التركية والأمريكية إلى الرقة ووجود القوات التركية في مدينة بعشيقة والقسم الآخر من هذه القوات في شمال العراق ربما يعطي دليلا قاطعا باشتراك القوات التركية في عمليات تحرير الموصل وخصوصا بعد وصول الاتفاق حول الجهات العراقية التي تشارك بعمليات التحرير للمدينة في طريق مسدود.
5- أما بالنسبة إلى الموقف الروسي من التدخل التركي في سوريا فقد صرح الرئيس بوتين بأن تدخل الأتراك في سوريا لم تكن مفاجئة للروس، ولكن بمجرد إعلان الرئيس التركي عن تعاون بلاده مع الأمريكان حول الهجوم على داعش في الرقة تغيرت اللهجة الروسية حول التدخل التركي في سوريا.
6- كانت زيارة رئيس ائتلاف متحدون العراقية السيد أسامة النجيفي إلى العاصمة التركية أكبر دليل على تيقنه بأن الأتراك بإمكانهم لعب دور أكبر في مسالة تحرير الموصل.
7- سبقت زيارة السيد أسامة النجيفي زيارة قام بها رئيس إقليم كردستان أيضا إلى العاصمة التركية أنقرة وهو الذي يعاني من حصار اقتصادي من قبل الحكومة المركزية إضافة إلى ضعف مركزه في الإقليم منها الخلافات المستمرة مع الاتحاد الوطني الكردستاني ومع حركة التغيير والتي أنشأت من الأعضاء المنشقين من الاتحاد إضافة إلى سيطرة حزب العمال الكردستاني على أجزاء من أراضي الإقليم منها أطراف جبل قنديل وكذلك المناطق الواقعة شمال وجنوب ناحية ربيعة العراقية الحدودية وصولا إلى مناطق سنجار وكذلك الشريط الحدودي مع سوريا وهذه المنطق في حقيقة الأمر خارج سيطرة سلطة كردستان مما يعني أن مسعود البرزاني قد طلب من الجانب التركي إيجاد حل حول تواجد هذه الفصائل المسلحة والتي تعني الموافقة الضمنية عند حدوث تدخل تركي في شمال غرب الأراضي العراقية ومنها مناطق الموصل.
بقى علينا أن نتساءل عن التوقيت الذي يحدد بدء عمليات تحرير الرقة إضافة إلى مستقبل هذه المنطقة وكذلك منطقة الموصل وهل تبقى القوات الأمريكية فيها وعندها تعود المنطقة إلى المربع الأول من جديد، أم أن الوجود التركي مع هذه القوات يوحي بأن التحالف الدولي هي التي تتولى المهمة وخصوصا إذا كانت هذه القوات تتمتع بحماية جوية دولية تشترك بها دول أخرى، ولكن هل تبقى هذه القوات لحين فترة أم تنسحب ما بعد التحرير. كما من الطبيعي أن نتساءل أيضا عن مصير القوات الروسية والمتحالفة معها فيما لو تم الاتفاق مع الأمريكان حول حل المسألة السورية ومن ضمنها تقرير مصير الأسد والحكومة الانتقالية وبنفس الوقت لو تم تحرير مناطق الموصل من داعش.
لكن من المؤكد أن هناك جهات ستخسر مواقعها، وجهات تخسر ما كانت تطمح إليه وإن بلغت حدا متقدما في مخططاتها، وجهات ستبحث عن نقطة انطلاق من الصفر من جديد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس