محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
منذ الانقلاب التركي الفاشل والاوضاع الدولية المحيطة بتركيا تتغير ويعاد ترتيبها من جديد تارة بإرادة تركية وتارة أخرى بإرادة إقليمية تعقب النشاطات والتحركات التركية.
أعقبت الانقلاب الفاشل جملة من الأحداث أثرت بشكل واضح وإيجابي إلى إعادة ترتيب البيت التركي مما أسهم إلى حد كبير إلى إعادة الدورالاستراتيجي المركزي إلى تركيا في المنطقة، ومن أهم هذه الأحداث هي:
1- إعادة العلاقات التركية الروسية من خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى روسيا وما جرى من تفاهمات حول ردم الهوة المتباينة في النظرة إلى الشأن السوري والبحث عن حلول ترضي كل الأطراف للمشكلة القائمة.
2- زيارة نائب الرئيس الامريكي جو بايدن إلى العاصمة التركية واجتماعه مع القادة الأتراك بدأ برئيس مجلس النواب التركي، وهو مؤشر واضح على دعم الولايات المتحدة الأمريكية للنظام الديمقراطي التركي، وما أعقب الاجتماع هو لقاؤه مع رئيس الوزراء التركي ومن ثم مع رئيس الجمهورية والتصريحات التي صرح بها في أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقد مع الرئيس رجب طيب أردوغان والتي أكد من خلالها على العلاقات الاستراتيجية مع تركيا العضو المؤسس لحلف الناتو.
3- زيارة السيد مسعود البرزاني إلى تركيا والذي تتصف علاقته مع المسؤولين الأتراك بأنها علاقات حتمية وصميمية، هذه الزيارة أعطت دعما متبادلا للطرفين، فالبرزاني وكما هو معلوم أصبح اليوم بحاجة إلى تركيا أكثر من أي وقت مضى بسبب الضغوطات الكبيرة التي تمارسها الأحزاب الكردية العراقية المدعومة من إيران ضده بالإضافة إلى تدخلات حزب العمال الكردستاني التركي في شؤون الإقليم العراقي، هذه من ناحية ومن ناحية أخرى تمارس هذه الأحزاب ضغوطات أخرى على زعامة البرزاني بالتواطئ مع الزعامات الشيعية المتمثلة بأحزاب السلطة في بغداد من خلال فرض الحصار الاقتصادي على الإقليم بسبب عدم الاتفاق على آلية تحويل عائدات تصدير النفط من حقول المناطق الواقعة تحت سيطرة الإقليم. أما أهمية زيارة البرزاني إلى الأتراك فهو منح الحد الأدنى من الشرعية للقوات التركية المتواجدة في أراضي الإقليم وأطرافها - وهذه القوات وإن كانت ذات طابع تدريبي بالدرجة الأساس ولكنها تحمل طابع الحماية لزعامة البرزاني على وجه الخصوص.
4- زيارة زعيم كتلة متحدون نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي والمعروف بعلاقته المتميزة بالقادة الأتراك إلى أنقرة وهذه الزيارة تكمن أهمية توقيتها أثناء الاستعدادات الجارية لمعركة تحرير الموصل، فمن المعروف أن الزعامات الموصلية ومنهم ائتلاف متحدون لا يقبلون بمشاركة الحشد الشعبي الشيعي المدعوم من إيران في عمليات تحرير الموصل بسبب الخروقات الكبيرة التي قام بها أفراد هذا الحشد ضد المدن والبلدات السنية التي دخلوها مع القوات العراقية. ورغم أن هذه الزيارة ونتائجها لا تعطي أملا كبيرا للزائر في استقطاب تركيا كبديل أو كجهة مساندة لعمليات تحرير الموصل في حال انتصار الإرادة الشيعية وفرضها على دخول الحشد الشعبي كجهة رئيسية عراقية في هذه العمليات، لكن الأمر يكون مغايرا عندما تكون هناك جهات أخرى خارجية ترعى وتساند دخول الحشد الشعبي ونقصد به إيران التي تدعم الحشد الشعبي، بل الأكثر من ذلك أن هناك قيادات إيرانية ومنهم قاسم سليماني والذي يظهر باستمرار في ساحات القتال مع فصائل الحشد الشعبي إضافة إلى مليشيات حزب الله العراقي المدعومة من حزب حسن نصرالله اللبناني.
هذه الأحداث مجتمعة وغيرها من العوامل الأخرى جعلت القادة العراقيين من الأحزاب الشيعية الموالية لإيران والتي تتحكم في السلطة بمنع أي دور للقادة السنة سواء في الحكومات المحلية أو في الحكومة المركزية وخصوصا من قادة تشكيل متحدون أو من يؤازرهم أو المرشحين من قبلهم في عملية تحرير الموصل وما يعقبه.
بعد الإعلان عن الانقلاب التركي تعالت الأصوات المهللة لهذا الانقلاب من قبل الأحزاب الشيعية العراقية، لكن بساعات قليلة أعقبت أفراحهم حتى باتت هذه الأصوات المتعالية تخفت من جديد امتلكها الخوف والرعب من الدور التركي في قادم الأيام، ولقطع الطريق أمام أية شخصية عراقية يستند إليه الأتراك في نظرهم وبموجب حساباتهم فقد تم الإيعاز لسحب الثقة عن وزير الدفاع وهو سني ومؤازر من قبل ائتلاف متحدون من خلال الاستجوابات المتكررة في البرلمان العراقي تحت ذريعة استقطاب المكون السني في القوات المسلحة، لكن من المؤسف أن الإقالة تمت بعد بروز الدور القيادي للوزير في عمليات الجيش والقوات المسلحة في محاربة الإرهاب وفي هذا الصدد فقد عد عضو ائتلاف دولة القانون النائب موفق الربيعي، إقالة وزير الدفاع السابق الدكتور خالد العبيدي انتصار للإرادة الوطنية ضد القرار الإقليمي والدولي الذي أراد الإبقاء عليه عبر كتل سياسية تابعة لهم.
تزامن قرار الإقالة الموافقة على قانون العفو العام والذي منع من تشريعه لعدة سنوات بل وتم تعديله لعدة مرات ليصبح جاهزا موافيا للشروط الشيعية بإطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين من التيارات الشيعية المختلفة المتصادمة مع حزب الدعوة الحاكم إبان حكم نوري المالكي بالدرجة الأساس دون شمول المكون السني السياسي بالاستفادة من هذا القرار، لأن القانون غير معني بفقرة أربعة إرهاب السيئة الصيت، وهذه الفقرة (4 إرهاب) مفصلة بالتمام للمكون السني تحديدا فهو يلصق تهمة الإرهاب لكل من تعاطف وآزر وتعاون ودعم الإرهابيين من السنة من خلال المخبر السري، والمخبرون السريون هم أناس مدنيون من الطائفة الشيعية تتولى الأحزاب الشيعية السلطوية توجيههم لإلصاق التهم بالشخصيات السنية سواء كانوا مسؤولي مؤسسات حكومية أو شخصيات اعتبارية تتمتع بنفوذ قيادي شعبي، وهكذا تم تفريغ أغلب مؤسسات الدولة من المسؤولين السنة في المناطق التي يتواجد السنة والشيعة فمدن بغداد وديالى والموصل قد شملتها هذه التصفيات والأمثال كثيرة وليس بوسعنا أن نذكرهم جميعا ولكن نذكر بعضا منهم ومنهم رئيس اللجنة الأولمبية العراقية السني والمفقود لحد الآن منذ سنين طويلة ولايعرف مصيره وكذلك نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي المنفي قسريا حاليا والمحكوم عليه بالإعدام غيابيا ورئيس مجلس محافظة ديالى ومحافظ نينوى وغيرهم كما أنوه إلى أن كافة مدراء الدوائر والمؤسسات تمت إقالتهم واعتقالهم وهذه التصفيات والاعتقالات شملت أيضا الأقضية والبلدات التابعة لهذه المدن وعلى سبيل المثال لا الحصر تمت إقالة واعتقال مدراء جميع الدوائر والمؤسسات في قضاء تلعفر التابعة لمدينة الموصل بحيث لم يبقَ بها أي شخصية سنية قبل سقوطها بيد داعش والمعروف أن قضاء تلعفر ذات الأغلبية التركمانية تحوي المكونيين السني والشيعي بنسب متقاربة.
لم يكتفي المسؤولين المهيمنيين على السلطة في بغداد بالضغط على الشخصيات السنية خوفا من حصولهم على الدعم التركي مستقبلا باعتبار أن الدولة التركية هي راعية رئيسية للسنة المعتدلين في المنطقة والعالم، بل بدأت المحاولات تصيب الجانب الكردي المدعوم من قبل تركيا وأقصد زعامة البرزاني من خلال البرلمان العراقي فقد تم استجواب وزير المالية هوشيار زيباري وهو المقرب جدا من الرئيس البرزاني (خال السيد مسعود البرزاني) وتم أيضا التصويت على عدم قناعة البرلمان لأجوبة السيد الزيباري ومن المحتمل أن يكون هناك تصويت آخر لغرض إقالته لاحقا إذا لم تتم التوافقات السياسية لمنع تكرار حادثة وزير الدفاع خالد العبيدي.
هذه الحقائق وغيرها من الأحداث التي تحصل كانت تتم بخفية ودون تسارع في السابق ولكن التدخل التركي في جرابلس السورية لغرض ملاحقة تنظيم الدولة والمليشيات الكردية قد أثرت بشكل مباشر على الوضع العراقي لأن من المعلوم أن تنظيم بي كي كي الكردي التركي متواجد حاليا في مناطق الموصل وبالتحديد في الشريط الحدودي جنوب نهر دجلة في العراق وحتى مشارف وقصبات قضاء سنجار غرب العراق بالإضافة إلى سيطرتها على الجهة الشرقية من سوريا في مناطق اليعربية وغيرها من البلدات المتاخمة للحدود العراقية الغربية بمؤازة المليشيات الكردية السورية والتي تعتبرها الحكومة التركية منظمات إرهابية شأنها شان حزب العمال بي كي كي وهذا ربما سيعطي مبررا كبيرا للتدخلات التركية مرة ثانية في شمال غرب العراق لغرض ملاحقة هذه التنظيمات، وإذا ماحصلت هذه التدخلات التركية داخل الاراضي العراقية في منطقة الموصل فان كل المخططات الهادفة إلى التغيير الديمغرافي بعد تحرير الموصل ستفشل تحت الضغط التركي بل ربما ستتواني الحكومة العراقية عن توقيت العملية إلى وقت لاحق وإشعار آخر غير معلوم تاريخه إذا شعرت بأنها ستفقد مساعيها في الجانب المخطط لها وكما هو المعلوم أن الجيش العراقي بفرقه المدرعة سلم مدينة الموصل وكل قصباتها بعد قتال محدود في طرف من الجانب الأيمن من المدينة إلى داعش ولم توضح التحقيقات من قبل لجنة التحقيق المشكلة من قبل مجلس النواب الجهة التي أصدرت أوامر الانسحاب للجيش العراقي من الموصل، بل لن تصدر ذلك.
إن الجانب التركي ومنذ تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا يولي اهتماما متزايدا لكل شرائح المجتمع الموصلي بخلاف النظرة القديمة التي كانت سائدة عن الزعماء الأتراك من الأحزاب الأخرى الحاكمة والتي كانت تدعم التركمان فقط القاطنين في مدن الموصل وغيرها من المحافظات، هذا التغيير في طريقة تفكير القادة الأتراك أثربشكل إيجابي على قبول السنة للأتراك كجهة توازن التسلط الإيراني على مجمل نشاطات الحكومة العراقية والمجتمع العراقي وبالتالي يعتبر الدور التركي مساندًا للسنة العراقيين المهمشين من قبل الحكومة المدعومة من إيران.
بقي أن نعرف أن امريكا والتي استهجنت كثيرا من ممارسات القادة العراقيين من خلال تهميش المكون السني وآخرها إقالة وزير الدفاع السني والمؤيد من قبل أمريكا باعتباره شخصية مهنية لا يتبني سياسات إيرانية داخل العراق بل هو الأكثر استقلالية والمتصدي إلى المحاولات السياسية التي تصرعلى تسييس القوات المسلحة العراقية لصالح الطرف الشيعي المدعوم إيرانيا، ولوجود بوادر أمريكية بغرض التصدي للنفوذ الإيراني في العراق فإن من غير المستبعد أن يكون لتركيا دور أكبر من خلال التحالف في عملية تحرير الموصل وخصوصا عند عدم اتفاق الأطراف العراقية على مسالة مشاركة الحشد الشعبي وهو مالايقبله السنة في الموصل والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني وتصر عليه الحكومة العراقية والحزاب الشيعية.
وخلاصة القول أن الأيام القادمة تشهد مزيدا من التطورات الاستراتيجية في المنطقة وخصوصا أن الجانب الأمريكي يبحث عن مخرج من المشكلة العراقية وبالتحديد عن قضية الموصل قبل بدء الانتخابات الأمريكية وسعي الديمقراطيين إلى الاحتفاظ بالمكتب البيضوي من جديد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس