أحمد أي – صحيفة ميلاد – ترجمة وتحرير ترك برس
إنّ المظاهرات التي شهدتها شوارع المدن التركيّة مؤخّرا، وما رافقتها من أعمال الشّغب والعنف، لم تعد بالنفع إلّا لتنظيم الدّولة الاسلامية التي تحاول أن تسيطر على بلدة كوباني السّوريّة. فقد أدّت هذه المظاهرات الى إجبار تركيّا للاهتمام بشؤونها الدّاخلية، وبالتّالي سنحت الفرصة لتنظيم داعش والنّظام السوري لارتكاب المزيد من الجرائم والقتل.
لقد حذّرنا الجميع بأنّ الهدف الحقيقي الذي يكمن وراء هذه الأحداث الدّائرة في المنطقة هو السّيطرة على موارد الطاقة فيها. ومن أجل ذلك ستعمل الولايات المتّحدة الأمريكية وشركائها كلّ ما بوسعهم للحصول على هذه الموارد بأسهل طريقة وبأقلّ الخسائر.
ومن بين هذه الطّرق والوسائل التي تتّبعها الدول الغربيّة للسيطرة على هذه الموارد، هي محاولة إضعاف الدّولة التركية وإجبارها على الإنغلاق على نفسها وإرغامها على الإنشغلال بمشاكلها الدّاخلية. وبهذه الطّريقة يُخطّط لمنع الاتراك من لعب دور فعّال في حل أزمات منطقة الشرق الأوسط. كما يهدفون الى اضعاف الدّولة التركيّة من أجل إرغامها على تجديد تلك الاتفاقيّات التي أُبرمت عند إعلان الجمهورية التركية قبل نحو 90 عام، والتي كانت تكبّل يد الدّولة التركيّة. ومن المعروف أن هذه الاتفاقيات ستنتهي صلاحيّتها بحلول العام 2023.
لنلقي الآن نظرة إلى مسألة كوباني:
لنعلم أوّلا أنّ إنهاء مسيرة المصالحة الوطنية في تركيا والعودة الى العنف واستخدام السلاح، لن ينقذ الوضع المتدهور في بلدة كوباني السّوريّة. فإنهاء مسيرة المصالحة الوطنية التي تعتبر مشروع العصر بالنسبة لنا، لن تخدم مصالح الأكراد في تركيّا وسيزيد من معاناة الشّعب التركي والكردي و ستنتهي بالتالي كلّ مبادرات التّفاهم بين الأتراك والأكراد. علينا أن لا نتخلّى عن العقلانية في هذا الصّدد.
ولو نظرنا إلى التاريخ، لوجدنا أنّ الأتراك والأكراد كانوا دائماً يتقاسمون الدّولة الواحدة. وكانوا يعيشون بسلم وأمن جنبا الى جنب تحت قيادة واحدة. حيث أنّهم تقاسموا أفراحهم وأتراحهم على مرّ التّاريخ. فكلّ من يتمتّع بعقل سليم، يدرك أن الانقسام و الفرقة تضرّ بالطرفين ولا تعود بالنفع لأي منهما.
إذا كانت المشكلة في محاربة تنظيم داعش، فلا بدّ للجميع أن يستعجلوا للحد من امتداد هذا الخطر. ولا شكّ أنّ على الجميع أن يسعوا لانقاذ الأكراد في كوباني. كما يجب منع عناصر تنظيم الدّولة من احتلال بلدة كوباني بشتّى الوسائل. لكن القضاء على هذا التنظيم لا يمكن أن يتمّ عن طريق الاستراتيجية الأمريكية التي تقتصر على القصف الجوي لمواقع الدولة الاسلامية.
فلا يمكننا القضاء على هذا التنظيم قبل استئصال جذوره الاجتماعية وتجفيف المنابع الفكرية التي تتغذّى منها هذه الشّبكة. وبحسب معتقداتنا، فإننا نرى أن أفعال هذا التنظيم ناتج عن قراءة خاطئة لمبادئ الجهاد.
إن الفكر الذي انبثق منه تنظيم داعش ليس وليد اليوم أو البارحة. ولكي نستطيع أن نقيّم هذا التنظيم بشكل صحيح، علينا أن نلقي نظرة على البيئة الاجتماعية لشعوب المنطقة التي خرجت منها هذه النتظيمات. فتنظيم داعش جذور وخلفيّات. ولو قمنا بتحليل الفكر الذي أنتج الخوارج والتّيارات السّلفية المتشدّدة وتنظيم القاعدة، لوجدنا أنه يطابق الفكر الذي ولّد تنظيم الدّولة الاسلامية.
ومع استمرار دعم بعض العشائر السنّية لتنظيم داعش في العراق وسوريا، نستطيع أن نقول أن القضاء على تنظيم الدّولة الاسلامية سيطول بعض الشّيء.
إنّ أجراس الخطر بدأت تقرع في بلدة كوباني. فكلّ يوم يمرّ من دون ايجاد المخرج الملائم لهذه المشكلة، يتضائل معه فرص إنقاذ هذه البلدة من الوقوع في يد داعش. فإن لم نستطع أن نجد الحل المناسب بأسرع وقت، فإنّ مصير الأكراد في كوباني سيكون مشابهاً لمصير الإيزيديين في العراق.
يجب على جميع الأطراف وعلى رأسهم الدّولة التركية أن تسعى لايجاد الحلول المناسبة لمنع وقوع المجازر في المناطق الكرديّة. ولكي تقوم الدّولة التركية بهذه المهمّة، يجب أن يستمرّ الاتفاق بين الشّعبين التركي والكردي، كما يجب على العقلاء من الطّرفين التّمسّك أكثر بمسيرة السّلام الوطنيّة والاستعجال في تحقيق هذه المصالحة.
يجب أن تتقدّم مسيرة المصالحة خطوة بخطوة. وعلى الأطراف أن يكثّفوا من لقاءاتهم. كما يجب على الحكومة التركية أن تكثّف من مباحثاتها مع عبد الله أوجالان وقيادات حزب الشعوب الديمقراطية. وعلى قيادات هذا الحزب أن تغيّر أسلوبها في التّعامل مع الحكومة التركية.
إنّ الأحداث الأخيرة التي شهدتها تركيا كانت مؤلمة جدا. خاصة الاعتداء على حزب الهدى وما نجم عنه من مقتل العديد من الأشخاص. فلا نستطيع معالجة أحداث الشّغب الدّائرة في الشّوارع قبل أن نتعرّف على الجانب المستفيد من هذه الاحداث.
ويؤسفني أن أقول أن نداء حزب الشعوب الديمقراطية بالنزول الى الشوارع والاعتداء على أعضاء حزب الهدى كان خطأ كبيرا. فلم تستطع قيادات حزب الشعوب الديمقراطية ان تضبط المتظاهرين الذين كسّروا وحطّموا كل ما وجدوه في طريقهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس