فردا أوزار - صحيفة حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس
في الحقيقة ان أحدا لم يتوقع هذا الكم والقدر من الأحداث والتطورات، فبداية تمت السيطرة على محاولة انقلاب الخامس عشر من تموز/ يوليو وإفشالها خلال يومين ليعقبها اتحاد أبناء الوطن وتوحد الدولة وانبعاث "روح اليني كابي" وانعكاسها على السياسة والمجتمع والإعلام.
انفتاح خارجي
لم يمر أكثر من شهرين حتى تمت السيطرة على رؤوس الانقلاب وهزيمتهم في حلبة الصراع العالمية، فرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وبمشاركته في اجتماعات قمة العشرين في الصين أعطى صورة مفادها "نحن شامخون وعلى أقدامنا".
أما الاجتماعات على صعيد القمة مع زعماء الولايات المتحدة وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي فأثبتت وأيدت هذه الصورة ورسختها.
أضف إلى ذلك أن خطوات مهمة في طريق التجارة بالطاقة تم قطعها مع كل من الصين وروسيا، هذه الخطوات التي يمكن اعتبارها مقدمة لمفاهمات مع الصين بخصوص إنشاء محطة ثالثة للطاقة النووية، وأسفرت كذلك عن تسريع وتيرة مشروع "الانفتاح التركي" مع روسيا القاضي بإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين. كما أن الأسبوع المنصرم شهد بداية عودة للعلاقات مع عديد من الدول الأوروبية بعد توتر بسبب محاولة الانقلاب الغاشمة، تم على إثرها مناقشة قضية الإعفاء من تأشيرة السفر للأتراك.
في الحقيقة أقدمت أنقرة على خطوات مناطقية وعالمية مهمة قبيل اجتماعات قمة العشرين بعشرة أيام، إذ إنه وخلال أسبوعين استطاعت القوات التركية الدخول إلى الأراضي السورية الشمالية وفرض سيطرتها على ما يقارب 98 كم تشكل الخط الواصل بين جرابلس وإعزاز. الأمر الذي ضرب بالصميم مخططات منح وحدات حماية الشعب/ حزب الاتحاد الديمقراطي السيطرة على تلك المنطقة وأفشل تلك المساعي. هذه الخطوة المهمة التي تجعل من تركيا لاعبًا فعالًا في الحرب السورية.
كما يمكننا اعتبار أن هذه التحركات إشارة على استعادة الجيش التركي لقوته وتعافيه من الخسائر التي تعرض لها إثر محاولة الانقلاب وما نتج عنها. فالجيش الذي كان يتوقع له الضعف أظهر للعالم أنه ما زال يتمتع بقوته.
لعل أهم التطورات التي ساهمت في تحضيرات عملية درع الفرات هي الاتصالات التي جرت بين رئيس الجمهورية أردوغان ونظيره بوتين عقب محاولة انقلاب الخامس عشر من تموز وزيارة أردوغان لنظيره الروسي، هذه المحادثات وتلك الزيارة التي أعادت المياه إلى مجاريها بين البلدين. ولا شك كذلك أن اللقاءات التي جرت مع طهران والتي سارت بالتزامن مع اللقاءات التركية الروسية لعبت كذلك دورًا مهمًا.
لكن كلا الامرين ليسا السبب الرئيسي الذي دعا أنقرة للتدخل ودخول سوريا، وإنما المراقبة الحثيثة والمتابعة عن كثب للتطورات المحلية التي خلقت عند أنقرة رغبة في إعادة تغير مسار التطورات التي تشهدها المنطقة، هذه الرغبة كانت الوقود الرئيسي الذي قاد إلى العملية. ويمكننا القول إن هذه العملية تمثل نقطة اتفاق مشتركة بين كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
نقطة مشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا
إن النقطة التي توصلت لها أنقرة مع الولايات المتحدة واضحة ومتمثلة بقبول أنقرة بوجود قوات حزب الاتحاد الديمقراطي في منطقة شرق الفرات، في المقابل تضمن الولايات المتحدة انسحاب كل القوى الكردية إلى تلك المنطقة من شرق الفرات. ولا شك أن وجود قوات برية تقاتل ضد داعش مقبول جدا من طرف الولايات المتحدة الأمريكية.
ويمكن كذلك الحديث وبشكل عام عن وضوح الاتفاقيات المباشرة مع كل من إيران وروسيا والاتفاق مع نظام الأسد والذي يؤثر على كل من إيران وروسيا بشكل غير مباشر كذلك . فلا شك أن هذه الأنظمة الثلاث راضية عن قطع الطريق أمام إنشاء منطقة حكم ذاتي للأكراد في الشمال السوري، لكن وبرغم ذلك لا بد لأنقرة من تقديم تنازلات معينة.
من الواضح أن روسيا تنتظر من أنقرة أن تحد من عملياتها وتقتصرها على الشمال السوري فقط، إذ إن روسيا على يقين بأن نزول القوات التركية إلى الجنوب يعني التضييق على قوات الأسد وخنقها، رغم أنه من المفترض أن تشمل المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها مدينة الرقة التي تعتبرعاصمة داعش في سوريا والتي تفترض التوجه جنوبا. وزير الشؤون الخارجية الروسي بدوره عبر عن القلق الروسي بهذا الخصوص قائلا: "إننا قلقون من مواصلة القوات التركية وقوات الجيش الحر السير إلى الجنوب".
إضافة إلى ذلك، من المنتظر أن يتراجع الدعم الروسي المقدم لقوات المعارضة السورية والجيش التركي المتواجد في مدينة حلب ومحيطها لتتبع ذلك عودة قضية نظام الأسد إلى جداول الأعمال والنقاش من جديد.
تحذيرات بالتوقف
كالعادة وفي أي نقطة اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة أو الروس، أي خروج لأنقرة خارج نقطة الاتفاق ولو لمليم واحد يدعو الطرف الآخر لتوجيه التحذيرات بالتوقف.
هذه هي التحذيرات التي وجهتها الولايات المتحدة بخصوص وحدات حماية الشعب/ حزب الاتحاد الديمقراطي. فعدم انسحاب القوات المقاتلة الكردية إلى منطقة شرق الفرات مدعاة لنشوب معارك مع قوات الجيش التركي وقوات الجيش الحر الموالي لتركيا. هذه المعركة التي تدفع واشنطن لتوجيه تحذير مفاده "نحن معكم ونساندكم في قتال داعش فقط".
فالولايات المتحدة رفضت طلب أنقرة بجعل المنطقة الواصلة بين إعزاز وجرابلس منطقة آمنة أو منطقة حظر طيران، أضف لهذا أنها لا ترغب في تكليف نفسها أعباء عسكرية جديدة. وفوق ذلك كله أن واشنطن متخوفة من بقاء القوات التركية في المنطقة بشكل دائم ومن لعب أنقرة دورها بناء على القواعد التركية الخاصة بها.
باختصار إن أنقرة تكسب الرضا والقبول ما دامت فوهة بنادقها موجهة ضد داعش فقط.
روسيا تقوم بالمثل كذلك، فاي خروج لأنقرة عن نص الاتفاق يدفع موسكو لتوجيه رسائل الاعتراض. فلا يجب أن ننسى أن القوات التي تمثل العمود الفقري في العمليات التي تقودها تركيا في الشمال السوري هي عساكر الجيش الحر هذه الجماعات المعارضة التي تقاتل ضد الأسد وتتلقى حتى اللحظة الضربات الجوية من قبل الروس. فكل من روسيا وإيران والتي تتغاضى عن هذه الحقيقة ستهب صارخة ومعترضة فيما لو توجهت قوات الجيش الحر باتجاه الجنوب.
بناء على ما تحمله صورة الوضع من تطورات محتملة فإن أي توجه تركي للبقاء طويلا في الشمال السوري أو أي مساعي لأنقرة في التوسع والتوجه جنوبا مع المحافظة على ما جنته من ثمار إثر محاولة انقلاب الخامس عشر من تموز وما حققته من نجاحات في الآونة الاخيرة، يستدعي من أنقرة أن تتخلص من سحابة الدخان التي بدأت بالانقشاع إما مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع الروس.
أي سحابة ستنقشع أولا وكيف يمكن لأنقرة التخلص من هذه السحب الدخانية التي تخيم على العلاقات، سيكون هذا موضوع مقالتي اللاحقة...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس