حليمة كوكتشة – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
يأتي التدخل التركي هذه الأيام في إطار حملة مساعداتها الإنسانية، فاتفاق وقف إطلاق النار الأخير يعتبر أيضا جزءًا مهمًا في هذه الحملة. بعد أن فُتحت أبواب الجحيم هناك في سوريا هرب السوريون بأرواحهم إلى تركيا والأردن ولبنان وغيرها من البلدان، ورغم كل القتل الذي أُعمل في القوم إلا أن القوى العالمية لم تتحرك في أي اتجاه يخدم الأهداف الإنسانية، وإنما حصرت كل تحركاتها في اتجاه مصالحها وأجنداتها الخاصة، ولو سألنا هنا: إلى متى ستستمر هذه اللعبة القذرة على دماء الأبرياء من الشعب السوري؟ سنجد الجواب هو "حتى تبيع تلك الدول والقوى ما يكفي من السلاح، وحتى يتم قتل ما يكفي من البشر". نعم هذه هي الحقيقة، فلعبتهم البرغماتية هذه وحروب الوكالة التي تجري هناك لن تتوقف حتى تصل حدود تحمل تلك الدول إلى أقصاها وتحقق أكبر المكاسب الممكنة من تلك الدماء. فهل يا تراه وصلت سوريا إلى هذه النقطة؟
في البداية يجب أن نسأل ما يلي: هل أصبح حل السلم في العراق ممكنا هذه الأيام؟ هل من الممكن أن تجلب الحلول التي طُبقت في العراق السلم لسوريا؟ من بداية المباحثات والمفاوضات السورية لم يكن هدف أي طرف من أطراف تلك الطاولات حلول دائمة وطويلة المدى، وإنما كانت حلولهم كلها قصيرة وتهدف للتحضير والحشد لما بعد تلك التهدئات؛ يعني اتفاقيات تهدئة لصب الزيت في النار! في اتفاق روسيا وأمريكا الأخير الذي جرى بين وزير الخارجية الأمريكي كيري ونظيره الروسي لافرورف تم الاتفاق على وقف إطلاق النار في فترة العيد، نحن وحسب ما رأينا فقد توسمنا من الأمر خيرا، لكن الحقيقة التي كانت وراء هذه التهدئة جاءت كما صرح وزير الخارجية الروسي؛ وكانت لـ"الفصل بين المعارضة المعتدلة والإرهابيين".
إن أخطر ما واجه اتفاقية وقف إطلاق النار هو اعتبار روسيا لتنظيم فتح الشام المرتبط بالقاعدة قديما تنظيما إرهابية، وهو في المقابل يعتبر قوة كبيرة ومؤثرة في المعارضة السورية، واعتباره تنظيما إرهابيا سيحجّم بالتأكيد من دعم تركيا للثوار بسبب ارتباط الأول بأحزاب المعارضة بشكل عميق. كما وتعتبر اتفاقات التهدئة هذه من أكبر مكاسب الأسد فقد كان يعقدها بسبب ضعف مواقف المعارضة، وما يزال الأسد يستخدم هذه الاتفاقيات لإضعاف الثوار، ومع استمرار التفريق المغرض من الأسد ومن لف لفه بتقسيم المعارضة إلى معتدلة وإرهابيين فإن الاتفاقيات هذه ستكون في خطر شديد وقد تذهب بلا رجعة في مهب الريح. في نفس الصورة يجب أن لا ننسى أن ميليشيات الأسد والشبيحة والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والإيرانية وغيرها لم يتم إدراجها في أي لائحة إرهابية!
مع بداية سريان اتفاقية التهدئة قام النظام بخرقها عبر ضرب مواقع استراتيجية لقوى المعارضة، وقبل ساعات من نهاية الاتفاق عادت من جديد مليشيات الأسد حتى تضرب وتقتل المدنيين الأبرياء، ثم بعد كل هذا نقبل بمثل هذه الاتفاقيات على أنها حلول، لا هذه ليست بحلول وإنها هي فقط ضمادات إنسانية لبعض يسير من الجروح. مع استمرار هذا التدهور في المشهد السوري يجب أن لا ننسى السبب الذي دفع الملايين للخروج إلى الشارع ورفض الظلم، كما يجب أن نعلم يقينا أن المثال العراقي الفاشل لا يمكن أن يكون حلًا لسوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس