أوراي آيغن - صحيفة سوزجو - ترجمة وتحرير ترك برس
كنت أتفاخر لسنوات طويلة بالانتماء إلى "الأتراك البيض" (وصف كان يطلق على النخبة العلمانية)، لكنني بدأت قبل عام أو عامين، بمساءلة نفسي حول طبيعة ودور "الأتراك البيض"، حيث كنا نجلس سويا في منطقة "نيشان تاشي"، ونتناقش حول مستقبل تركيا.
كان الحاضرون في تلك الجلسة حاصلين على تعليم جيد، لكنهم لم يحوّلوا هذا العلم إلى إنتاج. منهم على سبيل المثال رسام، برغم أنّ عمره تجاوز 50 عاما، إلا أنه لم يصنع له اسما في الرسم، والبقية كانت لديهم اهتمامات أخرى، لكنهم غير ناجحين. كما أنّ هؤلاء الذين لا يشاركون في أي أحداث سياسية، كان تعمقهم في السياسة سطحيا للغاية.
في أحداث غيزي بارك، كانوا متحمسين، ويُتابعون الأحداث عبر تويتر. وبعد عام 2013، أصبحت لديهم نغمة واحدة، وهي: فليرحل أردوغان بأي طريقة. وبعض هؤلاء كان يؤمن بضرورة الارتباط والتبعية للاتحاد الأوروبي دون شرط أو قيد، وما يزال أحدهم يعرض هذه الرؤى عبر قناة T24.
وصف "الأتراك البيض" طرحه "أوفق غولدمير" احتجاجا على وصول أوزال ذي الأصول الكردية إلى رئاسة الجمهورية، واتسع هذا المفهوم ليشمل كل من قال "لا" في استفتاء عام 2010، وبعد ذلك تراجع إطار استخدامه.
من سمات هؤلاء اللامبالاة، وقدرتهم على الخداع، والجمود السياسي. وقد تمثلت أولى هزائمهم السياسية بعدم انعكاس الحراك الإعلامي الذي قاده "جيم بيونير" في التسعينيات على نتائج صناديق الاقتراع. في المقابل، وفي نفس الفترة، بزغ نجم حزب الرفاه، وكلنا تابعنا أين وصل حراك حزب الرفاه، بينما بقي الأتراك البيض يراوحون مكانهم.
تنزعج مثل هذه الأشكال من اعتقال "أحمد ألتان"، ويبررون ذلك بأنّهم سيُحرمون من "روائي" يكتب القصص، وهم في الواقع ربما لم يقرؤوا أي رواية في حياتهم. لكن هل تم اعتقال "أحمد ألتان" لأنه روائي؟
لا شك أنّ حرية التعبير في تركيا تعاني من مشاكل، فنحن لم نكن في يوم ما مثل سويسرا، ولن نكون، ورأينا حجم الضعف من خلال التحقيقات الجارية المتعلقة بمنظمة فتح الله غولن، والتي كانت مفاجئة لكثير من المسؤولين في الحكومة.
ربما لا يستطيع الأجانب فهم ديناميكيات الحالة السياسية التركية، فهل من الممكن أنْ يكون الأتراك البيض لا يفهمون الوضع السياسي الذين يعيشون فيه؟ ربما هذا منبعه من غبائهم أو حقارتهم، وفي الغالب من الاثنين معا.
نحن ندرك أنّ "أحمد ألتان" كان يقوم بكل تحليلاته على قناة T24، بناء على مفهوم "فليرحل أردوغان بأي طريقة"، ولذلك فإنه وأمثاله يعتبرون التخلص من أردوغان يصب في مصالحهم، ولهذا يتعاونون مع أي أحد من أجل تحقيق هذه الغاية، وفي نفس الوقت يحققون المنافع المالية الطائلة من مثل هذه البرامج التلفزيونية.
وعندما قُطعت صنابير الأموال هذه عن التدفق إلى جيوبهم، جن جنونهم وغضبوا، ولهذا تعاونوا مع منظمة غولن، وبدؤوا بتقديمه كعالم دين. كما أنهم شاركوا في نشر الوثائق المزورة التي عملت شبكة منظمة غولن على إصدارها من أجل محاولة تشويه سمعة الحكومة التركية ورئيس الجمهورية. وبسبب العمى الذي أصابهم، ينتقدون اعتقال شخص تعاون مع منظمة غولن، فهل هذا غباء، أم حقارة؟
لو نجحت محاولتا انقلاب منظمة فتح الله غولن، سواء خلال أحداث 17-25 كانون الأول/ ديسمبر، أو 15 تموز/ يوليو، لخضعت الدولة التركية لحُكم منظمة ظلامية، تتعامل مع الناس من خلال أشرطة الفيديو وأشرطة جنسية صوروها في بيوتنا ومنازلنا، من خلال الأجهزة التي زرعوها. وبرغم ذلك يُفضل "الأتراك البيض" أي شيء على أردوغان.
الشخص الوحيد القادر على مواجهة خطر منظمة فتح الله غولن هو رجب طيب أردوغان، أما البقية فرأينا مثلا كيف دخل حزب الشعب الجمهوري على نفس السرير مع منظمة غولن. أردوغان رئيس مُنتخب، وكما جاء عبر الانتخابات، ممكن أنْ يرحل عبر الانتخابات أيضا، لكن منظمة غولن لم تأتِ ولم تصل لما وصلت إليه عن طريق الانتخابات، ولن ترحل عبر انتخابات.
العديد من الأتراك البيض كما الغربيون يقولون "هل أصبحت أردوغانيا؟" عندما نصف الحالة التي وصلوا إليها. وأعتقد أنّ عليهم أنْ لا يطلقوا وصف الأتراك البيض على أنفسهم بعد الآن.
كيف تسرب غولن إلى الإعلام؟
كشف إبراهيم كالن، مستشار رئيس الجمهورية، في تصريحاته يوم أمس، عن طريقة تغلغل منظمة فتح الله غولن خلال سنوات طويلة داخل أجهزة الدولة، وذلك عبر سرقة أسئلة الامتحانات، وزرع الطلبة في المدارس، ومنهم أسماء نعرفها جيدا في الإعلام.
يدّعي "أيوب جان" المتواجد حاليا في لندن، بأنّ لا صلة لديه بمنظمة فتح الله غولن، وهي نفس الجملة التي يستخدمها معظم عناصر المنظمة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة، وهذا الأمر اعتادوا عليه، حيث كانوا يرددون في السابق كل ما يأتيهم من نصوص بصيغ مختلفة.
كيف استطاع "أيوب جان" أنْ يصعد في الإعلام بهذه الصورة بدون ارتباطه بمنظمة غولن؟ هل هناك إجابة لهذا السؤال؟
الإجابة عن هذا السؤال عليها أدلة من سيرته الذاتية التي تُثبت فشله وعجزه وعدم أهليته. وبرغم معاناة العديد من الإعلاميين من البطالة، إلا أنّ الأبواب كانت تُفتح أمام "أيوب جان"، واعتقد أنّ لديه ارتباط سري حتى الآن بإحدى المنظمات أو المؤسسات.
كيف استطاع "أيوب جان" التمسك بالإعلام والاستمرار فيه والحصول على فرص عديدة برغم فشله الإعلامي وعدم امتلاكه أدنى القدرات في هذا المجال؟ علينا أنْ نجد الإجابة للإعلاميين الذين عانوا من البطالة وأنا منهم.
ما هو الأمر الذي يتوافر في "أيوب جان" ولا يتوافر في بقية الصحفيين؟
ربما سبب ذلك أننا لم نقم بالجلوس مع "كبيرهم" ونتحدث معه سبع ساعات، كما فعل هو، وصرّح بذلك، واعتقد أنّ هذه هي الوسيلة التي كانت دوما تفتح له الأبواب أمامه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس