محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
انتهت فرص أوباما لمنع تمرير هذا القانون المثير للجدل بعد امتناع أعضاء حزبه عن الانصياع إلى رغباته ونصائحه لمنع التصويت في مجلس النواب على تمرير القانون لأن العلاقة بين الرئيس وأعضاء حزبه من النواب هي علاقة ضعيفة جدا، وهذا السائد في تاريخ الولايات المتحدة إضافة إلى أن الأكثرية في مجلس النواب من الجمهوريين لكن من المؤسف أن القرار كان بتوافق المجلسين الشيوخ والنواب وأن نص القانون متوافق عليه في المجلسين لأن كان بإمكان الرئيس رد القانون عند وجود تباين واضح في نصي القانون عند المجلسين.
من الطبيعي أن القانون سيحدث آثارا سلبية قاسية على تعامل الدول مع الولايات المتحدة، وتنتهي أواصر الصداقة الحميمية بينها وبين دول العالم وهذا أكثر ما يخشاه الرئيس الأمريكي أوباما وربما الرؤساء السابقين والرئيس القادم أيضا، والقانون الذي فصل على المقاس السعودي ينذر بأن المقصود بالقانون لم تكن السعودية وحدها باعتبار أن باب المطالبة بمقاضاة الإرهابيين مفتوح دائما استنادا إلى شمولية القانون كما أن القانون يستثني الأعمال والأفعال التي تحصل أثناء الحروب وبذلك يحمي الجنود الأمريكيين من الملاحقة القضائية فيما لو تم رفع دعاوي عليهم من قبل أناس أمريكيين أو من الذين كانوا من رعايا دول أخرى ثم تجنسوا بالجنسية الأمريكية لأن من المستبعد أن يصدر دهاقنة المشرعين الأمريكيين قانونا يسمح لأناس ورعايا دول أخرى بمقاضاة الأمريكيين جراء أفعالهم، ولكن لو فرضنا جدلا أن القانون كان شموليا في كل فقراته فإن من غير الممكن أن تترافع المحاكم الأمريكية في الولايات الأمريكية إلا عندما تقوم جهات وأشخاص أمريكيون بذلك، كما حدثت للمجندة الأمريكية والتي قامت بتعذيب السجناء في معتقل أبو غريب في بغداد حيث ترافعت عنها مؤسسات أمريكية وأشخاص حصرا ولم تكن هناك آية مرافعة من العراقيين بل لم تؤخذ حتى شهاداتهم وأصبحت القضية أمريكية داخلية رغم تأثيرها البشع على سمعة الجيش الأمريكي المحتل.
والذي يهمنا الآن هو كيف ستتصرف الدول حيال هذا التطور لكون السعودية المتهمة الرئيسية في القضية هي أقرب أصدقاء أمريكا في المنطقة والعالم ولهذا فإن القانون ربما سيكون له انعكاس على علاقة الكثير من الدول الصديقة لأمريكا وأغلب هذه الدول تملك أرصدة ضخمة في الولايات المتحدة ورغم أن تأثيرها فيما لو سحبتها من البنوك الأمريكية ستكون بسيطا على دولة مثل الولايات المتحدة لكن تأثيرها غير المباشر لو ودعت هذه الأرصدة في دول أخرى والتي المرجح أن تودع هذه الأموال في دولة خارج دول حلف شمال الأطلسي والغرب عموما وربما تودع في الصين أو روسيا أو تركيا باعتبارها دولة إسلامية رغم أنها منظمة إلى الحلف المذكور، هذه من ناحية ومن ناحية أخرى ستتأثر العلاقات الدبلوماسية بصورة متوازية مع سلسلة من الإجراءات الأمريكية التي تتخذ لتنفيذ هذا القانون لأن إحدى إجراءات مجلس الشيوخ الأمريكي هي تشكيل لجنة لمراقبة تطبيق القانون بنزاهة وهذا معمول به والسائد عند تطبيق قانون جديد في الولايات المتحدة.
القانون المذكور ربما كان مفاجأة كبيرة للكثير من السياسين والذين لم يكونوا يتابعون ويقرؤون سلسلة الإجراءات الأمريكية في المنطقة فمن حيث المبدأ كان الجميع لا يدرك حقيقة الإجراءات الأمريكية حول الاتفاق مع إيران حول مفاعلاتها النووية والاستعجال والإصرار الأمريكي لتوقيع الاتفاقية لتكون إيران الظهير القوي لأمريكا في المنطقة عقب تطبيق القانون على السعودية وكأن الرئيس الأمريكي كان يدرك مخططات أعضاء الكونغرس الجمهوريين والديمقراطيين على السواء.
ورغم أن الإجراءات السعودية وحسب ما نتوقعه لن تكون عنيفة وتبقي الباب مفتوحا أمام أية إجراءات مضادة قد يتخذها أوباما أو الرئيس المقبل لأمريكا وباعتبار أنها قد تصيب بعض الأضرار في المرحلة الأولى على الاقتصاد السعودي ولكون السعودية دولة ذات اقتصاد جيد ومتنامي فإن السعوديين سيترقبون الخطوات اللاحقة أو الخطوات التي تخفف من حدة الصدام معها من قبل الأمريكان قبل اتخاذ المزيد من الإجراءات الوقائية.
لكن الضرر الأكبر سيكون حول التعامل مستقبلا مع الإدارة الأمريكية وهذا ما يعانيه المسؤولون الأمريكان في الإدارة الجديدة واللاحقة في حال استمرار القانون، وخصوصا أن البعض يصف القانون بالمخالف للدستور الأمريكي، ولم نعلم مدى صحة هذه الأقاويل وصحة تحليلاتهم، لكن من المؤكد أن كل الدول الصديقة والدول التي ترتبط مع الولايات المتحدة بعلاقات طبيعية ستمتنع عن تطوير علاقاتها المستقبلية قبل التأكد من إجراءاتها الملائمة لمواجهة هذا القانون وغيره من القوانين وأيضا تمتنع عن إقامة أية اتفاقات مماثلة في حال صمت الإدارة الأمريكية على توسيع نطاق شمول القانون لدول أخرى.
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو هل كانت أمريكا تشرع هذا القانون لو أن السعودية كانت عضوا في حلف شمال الأطلسي أو كانت دولة حليفة بالمعنى الاستراتيجي والعسكري للولايات المتحدة، وكذلك السؤال لماذا لم يبادر الكونغرس إلى إصدار القانون قبل وصول الملك سلمان وقبل الإجراءات السعودية الأحادية أو الثنائية أو الجماعية حول مشاكل المنطقة وخصوصا في اليمن أو سوريا أو غيرها من الدول دون الالتفات إلى الرأي الأمريكي أو التنسيق المباشر معها.
إن دول العالم كل بمفرده ستتعامل مع القانون الأمريكي بما يلائم مصلحتها المستقبلية ومن الضروري أن تتحرز الكثير وتتخذ الإجراءات حول التعامل مع المؤسسات الأمريكية والشركات العاملة على أراضيها عند التعامل مع الأمريكان وستؤمن الكثير من المبالغ كاحتياط بل ستتوانى عن التعامل المباشر مع المصارف والبنوك الأمريكية وغيرها من ردود الفعل حيال القانون.
هذه إذن بداية انتهاء العرس الأمريكي المؤمن والذي حذر منه الرئيس الأمريكي حول مساوئ تطبيق القانون وحذر منه أيضا رئيس وكالة المخابرات الأمريكية، والتخوف الأكبر يكون عندما ينال هذا القانون شخصيات ومسؤولين أمريكيين - أما ما يترقبه عامة البشر من الدول التي عانت الويلات من الإجرام الأمريكي وإجرام العسكر الأمريكي والمخابرات الأمريكية في سبيل مقاضاة المسؤولين الأمريكان مستقبلا في دولهم استنادا إلى المعاملة بالمثل وتشريع قانون مشابه للقانون الأمريكي، هذا ما ينتظره كل من ناله نصيب شر من الأمريكان، وحيث يتزاحم المثل القائل رب ضارة نافعة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس