راسم أوزده نورن – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس
ظهر في التاريخ الإسلامي الممتد جماعة متعصبة ذات ذهنية ضيقة للغاية، وهم الخوارج، الذين لا نشك في تقواهم وزهدهم، لكن فكرهم كان ضيقا للغاية، لدرجة أنهم يعتبرون قطع الرؤوس من تقوى القلوب. فهم لم يترددوا في الوقوف في وجه علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه متهمين إياه بأقبح الأعمال والأوصاف.
يشرح لنا محمد أبوزهرة هذه الطائفة من خلال أقواله التالية:
معظم طائفة الخوارج كانت ترى أنهم يخدمون الإسلام بهذه الطريقة، لكن في الحقيقة أنّ الأمر لم يكن كذلك، لأنهم اتبعوا طريقا خاطئا. فحسب الروايات التي وصلت إلينا، بعث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابن العباس من أجل مناقشتهم والحوار معهم، وقد قابلوا موفد علي بن أبي طالب بالرحب والسعة وأحسنوا إكرامه. وابن عباس رأى أمامه أناسا قد جُرحت جباهم من كثرة السجود، ورأى أياديهم المغلظة كركب جمل يجلس على الأرض، ولاحظ ملابسهم الممزقة والقديمة، من كثرة عبادتهم وزهدهم.
لا شك أن عقيدتهم قائمة على الإخلاص، لكن فهمهم للدين فهم خاطئ، فلقد انحرفوا إلى البدع، وابتعدوا عن جوهر الدين. وقد أحلوا دم كل امرئ مسلم مخالف لرأيهم وفكرهم وعقيدتهم. فأكثر ما يثير الاستغراب هو تزامن وقوع مسيحي وآخر مسلم في خطأ استوجب العقوبة، فقاموا بقتل المسلم، وقرروا الحفاظ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل الذمة.
وفي حادثة أخرى، قاموا بمشاهدة عبد الله بن حبّاب، وفي رقبته مصحف شريف معلق، وإلى جانبه امرأته الحامل، فقاموا بإلقاء القبض عليه وقالوا له :
- هذا القرآن الذي تحمله على صدرك يأمرنا بقتلك، ماذا تقول في أبي بكر وعمر؟
- فقال : نذكرهم بالخير.
- ثم سألوه : ما رأيك بقضية تعيين الحاكم المسلم؟ وما رأيك بحكم عثمان؟ وما رأيك بعلي بن أبي طالب؟
- فأجاب ابن حباب: علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، يعلم ويفهم كتاب الله عز وجل أكثر منكم جميعا، وهو سيحمي الدين الإسلامي أكثر منكم، لأنه صاحب بصيرة أفضل منكم.
- فقالوا له : أنت لا تتبع الهداية، أنت تتبع الأسماء فقط، فسحبوه إلى جانب الطريق وقاموا بذبحه كالخراف أمام أنظار الناس وزوجته.
في نفس مكان الحادثة، طلب أحدهم بعض التمر من بائع مسيحي، فقام المسيحي بتقديم التمر مجانا لهم، إلا أنهم رفضوا ذلك بشدة وقالوا نحن لا نقبل ذلك أبدا، فتعجب المسيحي من أفعالهم، قاموا بقتل عبد الله بن حباب بدون رحمة، والآن لا يقبلون التمر مجانا.
ولا شك أن الأعمال الوحشية والإجرامية التي يقوم بها داعش في زمننا الحاضر يذكرنا بأفعال الخوارج في قديم الزمان. حتى إن الخوارج لا يقارنون بأفعالهم بما يقوم به تنظيم "الدولة الإسلامية (داعش)".
الإخلاص والتشدد في العقيدة لا يعني السير على الطريق الصحيح الذي رسمنا لنا ربنا عز وجل في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه رسالة نوجهها الى كل من يعتقد أن داعش تسير من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، فكيف ستطبق شريعة الله وأنت ترتكب أبشع الجرائم وتستحل دماء المسلمين؟
تنظيم "الدولة الإسلامية" اليوم يتبع طريقا كالطريق الذي سلكه الخوارج في عهد عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فإذا كان علي كرّم الله وجهه قد وقف ضدهم، ونصحهم وأرسل موفدهم للتحاور معهم، فعلينا أن ندرك أيضا أنهم مبتدعون خرجوا عن طريق الحق والهداية، وعلينا أن ننصح كل من يؤيد فكرهم ونوضح الحقائق لهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس