سيبل هورتاش - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس
في وقت سابق من هذا الشهر ذكرت صحيفة تركية أن أزمة جديدة توشك أن تنفجر بين الجارتين المتشاكستين تركيا وأرمينيا، القضية محل النزاع بين البلدين هذه المرة هي أكلة شعبية يطلق عليها (Lamadjo) في اللغة الأرمينية، وتعرف باسم (Lahmacun) أو اللحم بالعجين في التركية.
ووفقا لما ذكرته الصحيفة فإن الأرمن أطلقوا حملة دولية للترويج لهذه الأكلة بوصفها طبقا أرمينيا، وافتتحوا مطعمين في روسيا.
أثار التقرير سخط الأتراك الذين يدعون حق ملكية هذه الأكلة، وهي عبارة عن قطعة رقيقة من العجين فوقها اللحم المفروم والخضروات والتوابل، الأمر الذي دفع ببعض البرامج التليفزيونية أخذ الموضوع على عاتقها، لتسترسل في شرح سبب كون هذه الأكلة تركية.
فكرة أن تؤدي أكلة معينة إلى توتر دبلوماسي قد تبدو مضحكة للوهلة الأولى، لكن تركيا وأرمينيا دخلتا فعليا في وقت سابق في خلاف مماثل على المستوى الدولي حول خبز اللافاش، وهو خبز رقيق مسطح يشبه التورتيلا الإسبانية، وكانت الأزمة قد بدأت بعد أن أدرجت أرمينيا في عام 2014 خبز اللافاش على قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي بوصفه " تعبيرا عن الثقافة الأرمينية"، وقد أثار هذا القرار احتجاجات تركيا ودول أخرى في المنطقة. وفي وقت سابق من هذا العام قدمت تركيا وأذربيجان وقيرغيزستان وكازخستان ملفا مشتركا إلى منظمة اليونسكو يقدم خبز اللافاش على أنه تراث للمطبخ الإقليمي، وسوف تُنافش هذه القضية في لجنة اليونسكو الدولية الحكومية لحماية التراث الثقافي غير المادي التي ستجتمع في الـ 28 من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في أثيوبيا.
كما أدت الحملة الأرمينية حول اللحم بالعجين إلى هجمات معاكسة، وقالت فاطمة شاهين، رئيسة بلدية غازي عنتاب للمونيتور: إن المدينة التي تشتهر بمطبخها الغني قد فازت بالفعل بمكان على شبكة اليونسكو للمدن المبدعة في فن الطبخ، وسوف تطالب المدينة بحق ملكيتها لأكلة اللحم بالعجين.
ومن المفارقات أن اللحم بالعجين ليس موضع نزاع دولي فحسب، بل بين عدد من المناطق في جنوب تركيا أيضا، وقد خاضت غازي عنتاب وأضنة وشانلي أورفا منافسة طويلة على ملكية هذا الطبق، وفي هذه الأيام يبدو أن غازي عنتاب التي تقع على الحدود السورية، وكانت مسرحا لهجمات داعش، من المدن الرئيسة التي تروّج لهذه الأكلة، وتكافح المدينة للتخلص من صورتها المكتسبة حديثا، بوصفها تعاني من العنف، وذلك في محاولة لإنعاش السياحة، وتروج لأكلة اللحم بالعجين على أنها " البيتزا التركية" .
وقالت فاطمة شاهين " نحن نروج لهذه الأكلة الشهية بين زوارنا الأجانب على أنها "البيتزا التركية"، ويحبونها كثيرا لأنها صحية، وهي نكهة تختص بها غازي عنتاب، وما يميزه هو التوابل الخاصة بالمنطقة، يؤكل اللحم بالعجين في جميع أنحاء تركيا، لكن ما نصنعه نحن هو الأشهى طعما، لا يمكنك أن تجد مثيلا للحم بالعجين المصنوع في غازي عنتاب في أي مكان آخر، آمل أن نحصل في أقصر وقت ممكن على تسجيل حق ملكيته" .
لا يقتصر التوتر حول " المطبخ " على تركيا وأرمينيا، فعلى سبيل المثال هناك خلافات مع القبارصة اليونانيين حول جبنة الحلوم التي تتميز بها جزيرة قبرص المقسمة بين اليونان والقبارصة الأتراك منذ أكثر من أربعة عقود، في عام 2014 أثار طلب القبارصة اليونانيين من المفوضية الأوروبية حماية التسمية اليونانية الأصيلة لجبنة الحلوم ردود فعل غاضبة لدى تركيا والقبارصة الأتراك، وبعد ذلك بـ عام ظهرت هذه القضية على جدول أعمال مفاوضات السلام بين الجانبين القبرصيين، ورحب الاتحاد الأوروبي" بالاتفاق المشترك" الذي توصل إليه الجانبان حول هذه المسألة، وعده دليلا على رغبتهما في بناء الثقة، كما ظهرت خلافات مماثلة بين تركيا واليونان حول البقلاوة، ومشروب الراكي، والزيتون.
يلاحظ المرء أن المشاحنات حول أصول الأطعمة تشمل دائما الدول التي لها توترات تاريخية مع تركيا، وقد أكدت بهار بكير المحللة الاقتصادية في صحيفة خبر ترك، والتي نشرت تقريرا عن أزمة اللحم بالعجين، على الجانب التجاري في الخلافات.
وقالت بكير للمونيتور" لقد تحولت مشكلة تسجيل الأطعمة إلى مجال جديد للأزمة بين الدول، حيث تتنافس الدول التي لديها خلافات سياسية في مجالات أخرى أيضا..... حروب العلامات المسجلة تندلع في أنحاء العالم جميعها"
وأشارت بكير إلى أن المنافسة بين دول جوار تركيا على نحو خاص تشتعل، حيث إن هذه الدول لديها كثير من القواسم المشتركة في تراثها، وقالت بكير" المنتجات محل الخلاف هي في الواقع منتجات تابعة إلى الإقليم، وهذا يعني أن هذه الأطباق تنتمي إلى الجميع، لكنها تسجل باسم الدولة التي تتخذ الإجراءات أولا، لدى تركيا الكثير من العلامات المسجلة، لكن بعض الدول تسبقها، وفي منطقة تشتعل فيها التوترات يؤدي هذا إلى أزمات جديدة، حتى لو كانت أزمات ناعمة".
بالنسبة إلى تركيا تأتي المشاحنات حول الأطعمة على قمة الحمل التاريخي الثقيل الذي يشمل الحروب وتبادل السكان مع اليونان، وتبادل القتل الجماعي مع أرمينيا، وعلى الرغم من أن حروب العلامات المسجلة ظهرت بوصفها مجالا جديدا للتنافس في العصر الحديث، فينبغي للمرء أن يلاحظ أن الأكلات المتنازع عليها والتي تؤدي في كثير من الأحيان دور سفينة الاتصال الثقافي، قد تكون العلامات المسجلة مهمة، ولكن في منطقة متداخلة تداخلا وثيقا على الصعيد الثقافي فإن رسم الخطوط الفاصلة بين المأكولات والتقاليد الأخرى ليس مسألة سهلة على كل حال.
يقول الطاهي مراد هايران، الذي يمثل فريقه المحترف للطهي تركيا في فعاليات الطهي في الخارج: إن كثيرا من الأطباق تحمل الاسم نفسه في كثير من الأحيان، ولكنها تختلف غالبا في مكوناتها وطعمها.
وقال هايران للمونيتور" ذات مرة شاركنا في الأسبوع التركي في اليونان، وقدمنا ملفوف ورق العنب، والبقلاوة، والمهلبية على أنها أطباق تركية، لكن اليونانيين قالوا إنها ليست أطباقا تركية بل يونانية، كانت الأطباق هي نفسها وتحمل الاسم نفسه، لكن مكوناتها وطريقة صنعها مختلفة" .
كان لرحلة هايران مفاجآت أخرى، فحكى للمونيتور " عندما تمشينا في الشوارع، سمعت صوت مزمار القربة، فوجئت بشدة لأننا نتشارك الأطباق والموسيقى أيضا، ثم جلست في مقهى، ودعاني رجل يوناني إلى طاولته، وعندما أخبرته أنني تركي، بدأ الحديث عن إسطنبول، وتبين أن لدينا معارف مشتركة أيضا" .
لا يرى هايران مشكلة في التراث المشترك، لكنه يعتقد أنه ينبغي لتركيا أن تفعل المزيد من أجل الترويج ، وأضاف: " في منطقة تضم كثيرا من الأشياء المشتركة، فإن المشكلة أن تركيا مقصرة قليلا في الترويج لمطبخها، يجب أن نكون أكثر شراسة في الترويج لأطباقنا وغيرها من الأكلات الشهية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس