محمود علوش - خاص ترك برس
الإفراط في التعويل على الاجتماعات الدولية الخاصّة بسوريا يزيد من معدل الإحباط، ليس لأنّ ممثلي الدول المعنية لا يمتلكون من الكفاءة ما يُمكّنهم من فك رموز هذه الكارثة، فجل وزراء خارجية تلك الدول يملكون سيرة دبلوماسية حافلة في التعاطي مع صراعات من هذا النوع.
فسيرغي لافروف على سبيل المثال له باع دبلوماسي طويل، وهو يتولى وزارة الخارجية الروسية منذ عام 2004، وقد مرّت عليه تجارب شرق أوسطية مليئة بالتعقيدات. كذا الحال مع جون كيري على الرغم من أن خبرته الدبلوماسية قليلة نوعاً ما مقارنة بـ لافروف، إذ يرأس الخارجية الأمريكية منذ ثلاث سنوات فقط، لكنّه قاد مفاوضات الملف النووي الإيراني المعقّد بنجاح. لن أذكر كفاءة باقي الوزراء العرب والغربيين لأن الروس والأمريكيين باتوا يحتكرون كل تفاصيل الملف السوري سياسياً وعسكرياً.
هناك ثلاث مبادرات دولية أطلقت منذ بداية الحرب، وكان بالإمكان التعويل عليها لو توفّرت النوايا الصادقة. الأولى المبادرة العربية التي أقرّتها الجامعة في كانون الثاني 2012، ونصّت على نقل سلطات الأسد إلى نائبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية. لكنّ النظام رفضها، ولو قبل بها لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن. المبادرة الثانية التي أطلقتها مجموعة الدعم الدولية في حزيران / يونيو من العام نفسه. وهي تُعد الأهم كونها حظيت بتأييد الجميع بمن فيهم الروس، لكنّها فشلت لأنّها تركت مصير الأسد غامضاً. أمّا المبادرة الثالثة، فتمثّلت بخارطة طريق توصّل إليها اجتماع فيينا في 14 تشرين الثاني / نوفمبر عام 2014، وتضمّنت تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات. وقد تبنّاها مجلس الأمن لكنّ فشلها كان محتوماً لأنّها تجاهلت النقطة المحورية في الصراع، وهي الأسد.
المبادرات الثلاث بنّاءة، وكان من الممكن أن تنهي الحرب، بيد أن النوايا الصادقة غير متوفّرة. فالمبادرة العربية كانت جريئة وعقيمة في الوقت نفسه، إذ افتقرت إلى دعم دولي فعّال. أمّا مؤتمر جنيف الأول، فالتفّت عليه روسيا بحديثها عن ترك مصير الأسد للسوريين، مع أن بيان المؤتمر الذي وافقت عليه أشار صراحة إلى هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة. وبالنسبة إلى مبادرة اجتماع فيينا فكان فشلها متوقع سلفاً، إذ إنّها لم تأخذ العبر من أسباب فشل جنيف واحد، ناهيك عن أن موسكو ساهمت بعرقلة خطّة فيينا التي كانت بمثابة نصر دبلوماسي لها، بتدخّلها العسكري وتسعير الحرب عبر تقديم شتّى أنواع الدعم العسكري والسياسي لصالح الأسد.
اليوم، تغيّرت المعطيات كثيراً عماّ كانت عليه قبل التدخّل الروسي. موسكو أصبحت القوة العسكرية الفاعلة على الأرض، وهي من تُحدد مسار الحرب. وفي خضمّ الجهود الحالية التي تتركزّ على حلب، ضاع الحديث عن جوهر المشكلة. وقد أتقن النظام مع روسيا وإيران لعبة تمييع القضية وفرض إرهاب تنظيم داعش على أجندة الاهتمامات الدولية. لكنّ استثمار ورقة داعش قارب على الإفلاس مع قرب أفوله. وكان متوقعاً أن يلجأ هذا المحور إلى إبراز مشكلة أخرى هي جبهة النصرة. مشكلة بوتين والأسد وخامنئي ليست مع الجماعات الإرهابية بقدر الثورة. وحتّى لو نجحوا في القضاء على الجبهة، فإن الحديث عن الإرهاب لن ينتهي.
وفي الحقيقة، فإن إطالة أمد الصراع لا يعود فقط إلى سوء نوايا الروس والإيرانيين. فغموض استراتيجية الرئيس الأمريكي ساهمت في إيصال الأمور إلى هذه النقطة الكارثية، وبسببها بات الروس يسرحون في الملعب السوري من دون أيّ رادع أخلاقي، والميليشيات التي جلبتها إيران إلى سوريا، والتي لا تجد بياناً أمريكياً واحداً يتحدّث عنها، تسرح هي الأخرى من دون حسيب أو رقيب. وتبدو واشنطن في وضع حرج، وها هي فضّلت العودة إلى المحادثات مع موسكو. لماذا يسلك الأمريكيون مجدداً هذا الخيار العقيم؟ وهم يدركون أن بوتين لن يتنازل ولا تعنيه سمعة بلاده أصلاً إذا كان كيري يفكّر في تعريته.
ما الحلّ إذاً؟ وكيف يمكن وقف المجزرة المتواصلة؟ وما هي الوسائل التي يمكنها تليين موقف الروسي والإيراني؟ في واشنطن، يكثر الحديث عن خيارات عسكرية أو على وجه أدق خيارات غير دبلوماسية، لكنّ وزير الخارجية البريطاني يبدو أكثر صراحة من نظرائه، فهو دعا مؤخراً إلى عدم إثارة آمال زائفة بشأن فكرة منطقة لحظر الطيران. ولا تخفي تصريحات المسؤولين الأوروبيين انتقاداً مبطّناً لواشنطن التي همّشت الدور الأوروبي في هذا الملف.
دون التركيز على جوهر المشكلة، فإن الحلول الترقيعية لن تجدي نفعاً. وإذا كانت روسيا تعرقل فعلاً إنهاء الحرب، وهذا صحيح، فلماذا لا يتم البحث عن خيارات أخرى لإجبارها على الخضوع لإرادة العالم. الخيارات الدبلوماسية عادة ما تكون نبيلة وتمثّل الحل الأفضل لإنهاء أي صراع، لكنّ الإفراط في تبنّيها دون سواها له يعطي نتائج سلبية للغاية. فكيف إذا كان من تحاوره هو الدبّ الروسي. ركّزوا على الأسد وخلّصوا السوريين منه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس