مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

مراكش كلمة أمازيغية معناها "أرض الله"، مراكش حاضرة تاريخية مشهورة، كانت فكرة لأبي بكر بن عمر رحمه الله ثاني أمراء المرابطين، وبناء وتشيدا من أمير المسلمين يوسف بن تاشفين رحمه الله.

هذه المدينة الساحرة المتميزة حملت أسماء كثيرة منها : مدنية "بن تاشفين" تأسيسا، و"مراكش" تاريخا و"الحمراء" لونا و"النخيل" رمزا و"البهجة" حالا و"بوابة الجنوب" موقعا ومدينة "الأولياء" سمة، لكن الاسم الذي اشتهرت به في العصر الحديث "المدينة الحمراء" لمحيطها الصحراء المحيطة بها آنذلك ثم لون بيوتها ودورها العتيقة الآن.

ومباشرة بعد إعلان مدينة "مراكش" المدينة المغربية المستقبلة للدورة التالية للمؤتمر العالمي حول المناخ (كوب 22) ما بين 7 و 18 نوفمبر / تشرين الثاني 2016، أطلق نشاط البيئة وأصدقاء الأرض "لقب المدينة الخضراء على مراكش".

هذا اللقب ليس غريبا عن هذه المدنية فهي خضراء بحدائقها ومنتزهاتها وبساتينها الكثيرة، بل أكثر المدن المغربية التاريخية اخضرارا، والتي تحولت من صحراء قاحلة إلى جنة غناء، وحدائقها العتيقة والحديثة تشهد بهذا.

مراكش رمز فريد في العالم الإسلامي للمدينة التي أينما وليت وجهك فيها وجدت بستانا كبيرا أو حديقة خضراء أو عرصات منتشرة على طول وعرض المدينة، حيث حرص الإنسان المراكشي كيفما كانت طبقته ومستواه فيها على الإسهام في صناعة خضرتها، الكل في المدينة عاشق للخضرة والبيئة والطبيعة.

و من المورث البيئي الذي تفتخر به حاضرة التاريخ والحضارة "مراكش الخضراء" حدائقها التي تتجاوز أربعين حديقة وفضاء أخضرا ما بين التاريخي والحديث، والتي تأكد استحقاقها للقب والمؤتمر.

 ومن تلك الحدائق التاريخية الكبرى: حدائق أكدال والمنارة وعرصة باب الجديد وعرصة مولاي عبد السلام وحدائق جنان الحارثي وحدائق الكتبية وواحة الحسن الثاني وحدائق شارع محمد السادس وحديقة ماجوريل، وتاج هذه الحدائق" غابة النخيل" بغرب المدينة والتي تمتد مساحتها الإجمالية لـ 14 هكتارا تقريبا، والتي تجعل مدنية "مراكش" وردة بين النخيل.

هذه الحدائق الكثيرة والمتنوعة أكسبت المراكشيين عادة حسنة، وطريقة عيش متميزة، عرفت باللهجة المراكشية "بنزاهة" أو "النُزهة" حيث إن المراكشيين في أوقات الفراغ والعطل، يخرجون إلى حدائق المدينة التي تحيط بها من كل جانب، لنزهة والتمتع بالمناظر الخضراء واستنشاق الهواء النقي.

وها هي مراكش "عاصمة المؤتمرات بالمملكة المغربية" اليوم تفتح أحضانها لأمم الأرض مستقبلة مؤتمرهم العالمي حول المناخ (كوب 22)، أمل منها أن يكون المؤتمر حدثا للمبادرات والبرامج العملية في مجال التصدي للتغيرات المناخية، وفرصة لاعتماد آليات تنفيذ اتفاق باريس، الذي دخل حيز التنفيذ يوم الجمعة الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعد أقل من عام على إبرامه، حيث يسعى المؤتمر إلى إيجاد سبل تنفيذ هذا الاتفاق الموقع  من قبل 195 بلداً، والذي عدّته حماة البيئة أول اتفاق عالمي متفق عليه، يهدف للحد من الاحتباس الحراري ونتائجه.

سرعة دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ إشارة سياسية إيجابية، تبعث لتفاؤل على أن غالب أمم الأرض ملتزمة بالتحرك الشامل والحاسم ضد التغير المناخي، فالاتفاق نص على التزام الدول الموقعة على تخلي الاقتصاد العالمي عن الوقود الأحفوري في النصف الثاني من القرن الحالي، والحد من الزيادة في متوسط درجات الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من درجتين.

وبعد نجاح باريس في الدفع إلى هذا الحدث التاريخي، كذلك تسعى مراكش إلى أن يكون  مؤتمرها #كوب22  مؤتمرا لدراسة التفاصيل المتعلقة باتفاق باريس والسياسات والتكنولوجيا والتمويل اللازم لضمان تحقيق أهداف اتفاق باريس، أمام التحديات الخطيرة التي تواجه الأرض والمناخ، حيث أكد خبراء المناخ أن من المتوقع زيادة انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من 12 بليون إلى 14 بليون طن عما هو ضروري لإبقاء سخونة الأرض عند الهدف المتفق عليه دولياً.

كما أكدت منظمة العالمية للأرصاد الجوية على أن التغييرات التي تسبب بها الإنسان في الغلاف الجوي قد تعدت عتبة ما هو غير مقبول، مع ارتفاع مستويات ثاني أوكسيد الكربون لأكثر من مستوى 400 جزء في المليون، وهي نسبة أكبر بـ 40 بالمئة من الأرقام التي كانت في العصر ما قبل الصناعي.

مؤتمر الأطراف "كوب 22 " بمراكش مؤتمر الجرأة والعمل والتنفيذ، حيث سيسعى المؤتمر لتفعيل آليات الحد من الأثر تغيرات المناخ على سطح الأرض والمحيطات، وتأثيراته المباشرة في انخفاض الغطاء النباتي والثلجي، وفقدان كتلة مهمة من الصفائح الجليدية الكبرى، وارتفاع مستوى سطح البحر،وتركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وتزايد معدل الأمطار في المناطق الرطبة وانخفاضها بشكل خطير في المناطق الجافة، ومشكل الفيضانات الكارثية واختفاء الجزر، وتهديد أخرى بالغرق، وغيرها من الأزمات التي تسبب فيها الاحتباس الحراري والذي طبعا هو نتيجة حتمية لجشع الإنسان وسوء تخطيطه لمستقبل الأجيال القادمة وتخطيه كل الخطوط الحمراء التي نبه إلى الخبراء من أجل الحفاظ على التوازان البيئي ومحاربة التلوث.

المملكة المغربية وفي مقدمتها صاحب الجلالة يسعون لجعل "مؤتمر مراكش للمناخ" محطة للمرور من اتخاذ القرار إلى العمل، حيث  أكد الملك محمد السادس  في خطابه السامي لحفل توقيع اتفاق باريس حول التغيرات المناخية بمقر الأمم المتحدة، على أن"مؤتمر المناخ بمراكش" يتطلع ليكون مؤتمر العمل بامتياز،ومحطة أخرى لتفاهم والتحمل المسؤولية المشتركة، ومناسبة للأطراف المعنية للوقوف على سياساتها واستراتيجياتها في مجال مكافحة التغيرات المناخية قال جلالته: ( إننـا نتطلـع لأن تشكـل الـدورة 22 لمـؤتمـر المنـاخ بمـراكـش، منـاسبـة لتعـزيـز الـوعـي العـالمـي، بضـرورة مـواصلـة الانخـراط الجمـاعـي فـي مـواجهـة التغيـرات المنـاخيـة،كمـا نطمـح لتبنـي مسـاطـر وآليـات لتفعيـل اتفـاق بـاريـس، ومـن بينهـا اعتمـاد خطـة عمـل لفتـرة مـا قبـل 2020، فـي مـا يخـص تخفيـض الانبعـاثـات، والملاءمـة، والتمويـل، وتعزيـز القـدرات، ونقـل التكنولـوجيـا، والشفـافيـة، خـاصـة لفـائـدة البلـدان النـاميـة، والـدول الأقـل تقـدمـا، فـي إفـريقيـا وأمـريكـا اللاتينيـة، والـدول الجـزريـة الصغيـرة .

وهـو مـا يقتضـي الاتفـاق عـلى خـارطـة طـريـق ملمـوسـة وواضحـة المعـالـم والنتـائـج، مـن أجـل تعبئـة المـوارد المـاليـة الضـروريـة لتمـويـل المشـاريـع، وذلـك مـن أجـل تشجـيـع التغييـر، الـذي نتطلـع لتحقيـقـه، عـلى مستـوى نمـاذج الاستثمـار الخـاص .

لقد وفقت قمة المناخ "كوب 22" بمراكش لاختيارها شعار "لنعمل"، شعار يهدف  للعمل على  تفعيل آليات الحد من الاحتباس الحراري الذي يعد تهديدا وجوديا لحياة الإنسان على كوكب الأرض، في ظل التغيير المناخي الذي يتسارع بنسب مضاعفة بالمقارنة مع الجهود المبذولة لمكافحته.

قمة مراكش تأمل في نجاح  الدبلوماسية المناخية في تحقيق أهدافها، وتأكيد مصداقية العمل الجماعي الدولي في مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، ولحظة لاستشراف المستقبل والتأمل في الآثار الكارثية التي خلقها التسابق العالمي لاستغلال أصناف الطاقة التي بالأرض.

لتعمل الحكومات والمنظمات والمؤسسات الدولية المشاركة، على جعل قمة مراكش انطلاقة جديدة من أجل دينامية متجددة، غايتها حماية كوكب الأرض ورعاية حقوقها، وفرصة لتحول من جيل "حقوق الإنسان وتغير المناخ" إلى جيل "حقوق الأرض ومناخها أولا ثم الإنسان وحقوقه ثانيا"، وإلا فسنقضي على الأرض والبيئة والإنسان.

وإن كانت الأرض ترى رأي الشاعر القائل:

يا نيل فيك من الحياة خلودها    -------------   كل الورى يفنى وأنت الباقي.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس