محمود حاكم محمد - خاص ترك برس
من المعروف أن دولت باهتشلي زعيم حزب الحركة القومية كان معارضا وبشدة للنظام الرئاسي، وكان يطالب حكومة حزب العدالة والتنمية بإجراء تعديلات على النظام البرلماني، ولكن التصريحات التي أدلى بها باهتشلي مؤخرا كانت صادمة للجميع، إذ ذكر أنه سيدعم الحزب الحاكم في البرلمان التركي بشأن نقل مسألة النظام الرئاسي للاستفتاء الشعبي، مؤكداً أن الكلمة الفصل في هذا الصدد للشعب التركي.
وقبل أن نتمكن من استيعاب هذه التصريحات الصادمة، قام زعيم الحزب القومي بإدلاء تصريحات أخرى فيما يخص إلقاء القبض على عدد من صحفي جريدة جمهوريت اليسارية المعارضة، حيث ذكر أن الجريدة تنطق باسم حزب العمال الكردستاني ويجب على هؤلاء الصحفيين الامتثال أمام القضاء ومحاسبتهم.
هذه التصريحات جعلتني أتعجب من موقف وسياسة باهتشلي الجديد الداعمة لحكومة العدالة التنمية، حيث إن مواقفه المعتادة كانت أشبه بـ معارضة تركية نموذجية مبنية على إلقاء اللوم والاتهامات على الحكومة وأردوغان ومخالفتها بشكل تام.
ولتوضيح الأمر يمكن أن نقدم هذا المثال: قبيل الانتخابات العامة التركية التي جرت عام 2011 (أي قبل ظهور الخلاف بين حزب العدالة والتنمية وحركة غولن) انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات مخلة (مشينة) بالآداب متعلقة بنائب الأمين العام لحزب الحركة القومية محمد تايتاك وعدد من أعضاء الحزب البارزين، مما أجبرتهم على الاستقالة من مناصبهم بسبب تلك المؤامرة، وقام على إثرها زعيم الحزب القومي بإدلاء تصريحات اتهم فيها غولن وحركته بأنهم وراء تلك المؤامرة، مشيراً إلى أن الهدف منها هو التأثير على نسبة أصوات الحزب القومي في انتخابات 2011 العامة.
واستمر باهتشلي في مهاجمة غولن وجماعته حتى وقوع الخلاف بين حزب العدالة والتنمية وحركة غولن عام 2013 (أي بعد مرور سنتين) الذي بدأ بمسألة إغلاق المعاهد، وتنامت مع تصريحات غولن المهاجمة للحكومة التركية والمؤيدة لإسرائيل بشأن حادثة سفينة مرمرة الزرقاء التي هاجمتها القوات الإسرائيلية في أثناء توجهها لكسر الحصار عن قطاع غزة، ومحاولة الإطاحة برئيس الاستخبارات هاكان فيدان وحملة الاعتقالات التي استهدفت العديد من قيادات ورموز حكومة العدالة والتنمية بدعوى مكافحة الفساد، التي كان وراءها الكيان الموازي الذي تقوده حركة غولن ... إلخ. فبعد هذا الخلاف تغير موقف باهتشلي تجاه غولن وجماعته تماماً، وأصبح يدافع عن غولن بدلاً من أن يتعاون مع الحكومة ضد هذا الكيان (جماعة غولن) لما قاموا به قبل سنتين تجاه حزبه.
فما الذي جعل زعيم حزب الحركة القومية يتخلى عن هذه السياسة ويبدأ بتأييد حكومة العدالة والتنمية في الفترة الأخيرة؟
لكي نستطيع إدراك هذا التغير المفاجئ يجب القيام بتحليل السياسة التي كان يتبعها باهتشلي في معارضته للحكومة للحصول على التأييد لصالح حزبه, وهنا يمكننا أن نلخص هذه السياسة في أمرين أساسيين هما:
دماء الشهداء:
كان باهتشلي دائماً يتهم حكومة العدالة والتنمية بالتهاون في مواجهة حزب العمال الكردستاني ويحملها مسؤولية سقوط الشهداء في صفوف الجيش ورجال الأمن الأتراك.
السماح للأكراد بإنشاء دولة أو حكومة مستقلة في جنوب شرق البلاد وعملية السلام:
بعد تولي حزب العدالة والتنمية زمام الأمور في تركيا قام بإصلاحات تجاه الأكراد مثل رفع حالة الطوارئ في المدن ذات الأغلبية الكردية، والسماح للأكراد بالتحدث بلغتهم بحرية، وتدريس اللغة الكردية في المدارس كلغة اختيارية وفتح قسم لتعليمها في الجامعات وافتتاح قناة تلفزيونية ناطقة باللغة الكردية (TRT kurdi). وقامت الحكومة بتتويج هذه الإصلاحات بعملية السلام التي أعلنها الرئيس التركي أردوغان لأول مرة في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2012 عندما كان رئيساً للوزراء في لقاء تلفزيوني حيث ذكر أن اللقاءات بدأت مع عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في جزيرة إمرالي منذ 13 فبراير/ شباط 1999، عبر حزب السلام والديمقراطية الذي أصبح فيما بعد حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني)، وأنه يتم السعي من خلالها إلى دفع عناصر حزب العمال جعل الكردستاني لترك السلاح. وكان باهتشلي يهاجم الحكومة ويدعي أن هذه الإصلاحات هي بداية لمسألة تقسيم تركيا، وأن الحكومة ستقوم في نهاية المطاف بالسماح للأكراد بإنشاء دولة كردية أو تشكيل حكومة مستقلة في جنوب شرق البلاد.
عقب الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في الأول من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 قام حزب العدالة والتنمية، بتجميد عملية السلام والبدء بالعمليات العسكرية التي تسعى إلى تطهير الأراضي التركية من عناصر حزب العمال الكردستاني وإجباره على ترك السلاح بعد أن أعلان الأخير انتهاء الهدنة التي بينه وبين الحكومة التركية، والقبض على رؤساء بلديات حزب الشعوب الديمقراطي بتهمة تقديم المساعدات بشتى أنواعها للكردستاني إلى جانب رفع الحصانة عن بعض نواب الحزب الذين قدموا تصريحات على العلن بشأن دعمهم وتأييدهم لحزب العمال الكردستاني والتي تبعها خلال الأيام الأخيرة عملية إلقاء القبض عليهم بغرض استجوابهم وثم محاكمتهم في حال اكتفاء الأدلة، وبهذا تم هدم حجري الأساس الذي يبني عليها حزب الحركة القومية سياسته المعارضة للحكومة ولم يعد للحزب وزعيمه ما يقدمه للشعب التركي للمطالبة بأصوات في حال إجراء انتخابات عامة.
وتجدر الإشارة إلى أن غضب الناخب القومي تجاه باهتشلي نتيجة رفضه تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية أو دعمه لتشكيل حكومة أقلية عقب انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015 مما تسبب في استلام نائبين من حزب الشعوب الديمقراطي لحقيبتين وزاريتين ما زال مستمراً.
أضف إلى ذلك نجاح حكومة العدالة والتنمية في إفشال محاولة 15 يوليو/ تموز الانقلابية وقدرتها على التعامل معها وإنهاء عهد الانقلابات، انعكس بشكل إيجابي على شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية لا سيما في الأوساط المعارضة القومية، حسب الاستفتاءات الأخيرة.
وبناء على ما سبق فإن هذه الأزمة التي يمر بها حزب الحركة القومية، قد تمنعه من اجتياز الحد الانتخابي (نسبة الـ 10% اللازمة لدخول البرلمان التركي) في حال أن الحزب الحاكم قرر إجراء انتخابات مبكرة للحصول على العدد الكافي من النواب لنقل مسألة النظام الرئاسي إلى الاستفتاء الشعبي، كما أنها وضعت باهتشلي في مأزق كبير أجبره على تغيير سياسته.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل حالة الإفلاس السياسي الذي أصاب حزب الحركة القومية دفعت باهتلشي إلى إجراء اتفاق مع أردوغان وحزب العدالة والتنمية ينص على أن يقدم باهتلشي الدعم المطلق للعدالة والتنمية بشكل عام وفي مسألة النظام الرئاسي بشكل خاص، مقابل الحصول على منصب نائب الرئيس في حال انتقال البلاد إلى النظام الرئاسي بشكل رسمي؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس