ألان كافال - صحيفة لوموند - ترجمة وتحرير ترك برس

أصبحت مدينة بعشيقة العراقية محاطة بدخان أسود منذ بداية المعارك. كما أنه على بعد خمسة كيلومترات عن شرق المدينة، يمكننا رؤية المصفحات الكردية مستعدة لاقتحام المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة مع بزوغ الفجر، بعد أن تراجعت نتيجة قيام مقاتلي تنظيم الدولة بوضع ألغام في الطريق المؤدي إلى مدخل بعشيقة. 

وتجدر الإشارة إلى أن الأكراد قد بدؤوا الهجوم بتطويق هذه المدينة منذ يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قبل حتى الإعلان عن بداية معركة تحرير مدينة الموصل العراقية.

وقد وقع احتلال مدينة بعشيقة، التي تبعد قرابة 15 كيلومتر عن الموصل، من قبل تنظيم الدولة خلال صيف سنة 2014. وتبعا لذلك طُرِدَ أغلب سكانها الذين ينتمون للطائفة اليزيدية. والآن أصبحت مدينة بعشيقة، تنتظر الهجوم النهائي للمقاتلين الأكراد، من أجل تحريرها.

وفي المقابل، يبدو أن أسلحة تنظيم الدولة من رشاشات ثقيلة وأسلحة ومتفجرات، ما زالت تقاوم المصفحات الكردية، إذ ما زال بعض مقاتلي الدولة متواجدون داخل مناطق وقع استرجاعها من قبل الأكراد، الذين يتقدمون تحت غطاء جوي أمريكي.

وأخيرا، سجل دخول قوات البشمركة لمدينة بعشيقة، إذ عادت مؤخرا مصفحتان من جبهة القتال، إحداهما تحمل أحد جرحى مقاتلي تنظيم الدولة. وتجمّع الجنود الأكراد حول المصفحة لإنزال الأسير، إذ ستكون هذه أول مرة يرون فيها عدوهم غير المرئي وجها لوجه. 

بدأ الأكراد يلمسون المقاتل الجريح الذي تظهر عليه ملامح الهزيمة والقهر. إنه طفل يتراوح عمره بين 15 و16 سنة، يتميز بلحية خفيفة وشعر أشعث. ومن ثم توجهت نحوه امرأة، في الخمسينيات من عمرها وتردي زيا عسكريا وتغطي رأسها بحجاب أسود، لتقديم الإسعافات الأولية له.

ثم قام البعض بعتاب المقاتل الكردي الذي أسر هذا الطفل، مستغربين عدم قتله فورا على ساحة المعركة. فأجاب المقاتل مدافعا عن نفسه قائلا "إنه مجرد طفل صغير!".

وفي غرب مدينة بعشيقة، التحق مقاتلون آخرين من الأكراد السورين بقوات البشمركة وتمركزوا وراء إحدى المنحدرات المحيطة بالمدينة ثم بدأ تبادل إطلاق النار. في نفس اللحظة قامت المصفحات الكردية بالتقدم نحو الطريق الرئيسي المؤدي لبعشيقة معلنة عن تحريرها بعد تطهيرها من باقي حطام السيارات المتفجرة. 

بعد ذلك قام المسلحون الأكراد بالاستيلاء على ما استطاعوا من المؤونة التي تركها تنظيم الدولة مثل القفازات التكتيكية وشواحن البطاريات ومؤن غذائية وملابس. كما استولى أحد المقاتلين الأكراد على الراية السوداء لتنظيم الدولة وبدأ صوت إطلاق الأسلحة النارية يعلو ابتهاجا وفرحا بهذا النصر.

ولكن ليست مدينة بعشيقة كلها تحت الرقابة الكردية، إذ مازال بعض مقاتلي تنظيم الدولة مختبئين في أحياء المدينة. كما قام مؤخرا أحد عناصر تنظيم الدولة بإشعال العجلات المطاطية أو كمية من النفط للتشويش على طيران التحالف الدولي الداعم للأكراد. وتجدر الإشارة إلى أنه قام التحالف الدولي مسبقا بتجهيز الأكراد بلوحة رقمية مجهزة بنظام تحديد المواقع من أجل التنسيق مع قوات البشمركة. 

كما أفاد أحد المقاتلين الأكراد أن طيران التحالف مستعد ليس فقط لقصف موقع به كتيبة كاملة من مقاتلي تنظيم الدولة، بل حتى المواقع التي فيها مقاتل واحد. 

وبعد هذه العمليات، وتحديدا يوم الثلاثاء، أعلنت القوات الكردية رسميا عن استعادة مدينة بعشيقة بالكامل.

وتعتبر مدينة بعشيقة من المناطق المتنازع عنها، إذ اعتبرها مسعود برزاني منطقة خاضعة لإقليم كردستان العراق لكن الحكومة العراقية أعلنت رسميا ضمها إلى الدولة العراقية. 

وقد انتظر الأكراد بفارغ الصبر تحرير هذه المدينة، بعد احتلالها سنة 2014، من قبل مقاتلي تنظيم الدولة، ليقع رسميا رسم الحدود الكردية داخل العراق. كما أعلن مسبقا الجنرال الكردي عزيز وايزي، إنه "بعد تحرير بعشيقة سيقع رسميا توسيع الحدود الكردية".

وفي نفس اليوم، قام الأكراد بتركيز رايتهم الوطنية فوق المباني الحكومية والطرق الرئيسية لمدينة بعشيقة؛ لكن مازال خطر هجوم تنظيم الدولة يحوم من جديد حول المدينة، إذ التقط أحد ضباط قوات البشمركة على جهازه اللاسلكي مكالمة بين مقاتلي تنظيم الدولة يستعدون من خلالها للقيام بهجوم مباغت على مدينة بعشيقة، مرة أخرى في حال انسحاب قوات البشمركة من ضواحي المدينة.

وبعد الكشف عن هذا المخطط مباشرة، قام أحد جنرالات القوات الكردية بجمع مقاتليه وقال لهم "إني أريد تطهير هذه الهضاب نهائيا من المتشددين واستدعاء الرئيس مسعود بارازاني ليلقي خطابا في هذه المدينة". 

ثم بعد ذلك، سمع دوي انفجار أحد المصفحات الكردية، إذ قام الجنرال مباشرة بالاتصال لاسلكيا للاطمئنان على من فيها قائلا "هل أنتم بخير؟ هل أنتم بأمان وسلامة؟". وبعد عدة ثواني من الصمت قام أحدهم بالإجابة "نعم، نحن بخير بفضل الله". بعد ذلك أمر الجنرال مقاتليه بالانسحاب لأن كل مناطق بعشيقة قد حررت.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس