آرسيني باركين - صحيفة أوترا ري الروسية - ترجمة وتحرير ترك برس

في الفترة الأخيرة ناقش خبراء ومحللون سياسيون بكثافة امكانية حصول تحولات جغرافية في منطقة الشرق الأوسط. كما طُرحت في هذه الفترة عدة تساؤلات حول استراتيجية واشنطن. وبالإضافة إلى ذلك، توقع العديد من الخبراء والمراقبين السياسيين والعسكريين تركز جهود واشنطن على اعادة تهيئة المنطقة؛ عن طريق تقسيمها، في محاولة منها لسيطرة على الفوضى المتأججة في المنطقة ووقف الحرب السورية، وتحقيق المصالح الأمريكية والأوروبية المشتركة.

وقد عرض أحد أقدم الباحثين في العلاقات الخارجية الأمريكية، راي تاكاي، وجهة نظره بشأن هذه المسألة، وأقر بأن "الحرب في سوريا لن تنتهي إلا في حال وضعت الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الأوربيون خطة تقسيم لمنطقة ترضي جميع الأطراف، وقادرة على تلبية جميع المصالح المشتركة في الشرق الأوسط".

أما الخيار الوحيد بالنسبة لسوريا فهو التقسيم على الأساس العرقي والديني: العلويون يحصلون على إمارة تجمعهم ببقية المجموعات العرقية الأخرى، أما السنة فسيحصلون على المنطقة التي سيتم تطهيرها من نظام الدولة. وبذلك يمكن أن تظهر دويلتان تغيران الحدود التركية - العراقية - السورية.

كما أقر أستاذ العلوم السياسية والخبير الرائد بالمعهد العالي لدراسات الاستراتيجية الروسية، أجدار كورتوف، بأن "دور الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المسألة يتمثل أساسا في تكوين دولة سورية تمثل "المعارضة المعتدلة" القادرة على تنفيذ خطط الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية. وفي نفس الوقت تمكن هذه الدولة الجديدة من خلق دويلات أخرى في المنطقة".

كما أقر بأن "السياسة التركية أيضا لها خططها الطموحة في هذه المسألة، على غرار ضم بعض الأقاليم على الحدود التركية السورية التي يسكنها تركمان سوريا، لحمايتهم من اضطهاد الأسد، باعتبارهم من الأقليات".

كما أكد الخبير أن "إعادة التقسيم ستكون على حساب الحدود القديمة لبعض الدول على غرار تركيا، العراق، سوريا". كما بيّن أن "العراق بحدودها الجغرافية المعروفة لدينا الآن ستختفي من الوجود، وستظهر لها حدود جديدة أخرى. وسيمثل ذلك الخطوة الأولى للإعلان عن كردستان العراق كدولة مستقلة".

كما يتوقع الخبير السياسي إمكانية وقوع صراع عنيف على السلطة في بغداد بين الشيعة والأكراد مما سيضطر السنة إلى التنازل عن السلطة في بغداد ذات الأغلبية الشيعية. كما ستجبر هذه الخطوة جميع الأطراف على محاولة تشكيل حكومة جديدة ترضي جميع الأطراف. إلا أن العجز عن تكوين هذه الحكومة واستمرار الخلافات، سيؤدي إلى ايجاد سبب وجيه للتقسيم.

وفي المقابل أشار الخبير إلى أن "لا شيء يبشر بالانفراج في سوريا بعد، فالحرب لم تنتهي  في هذا القطر المضطرب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتنازل عن هدفها الأساسي، المتمثل في تفكيك حكومة الأسد والاطاحة بهذا الأخير".

ويواصل "إلا أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، يمكن أن يتخلى عن استراتيجية الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد على حسب ما أقر به رئيس مجلس اتحاد لجنة الأمن والدفاع،  فيكتور اوزيروف". ومن جهة أخرى عاد الخبير ليبيّن أن "هذه الحالة تبقى مجرد فرضية لا أكثر".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة التركية أوضحت في أكثر من مناسبة أنها "لن تسمح بإنشاء حكم مستقل بسوريا، متكونة بالأساس من أكراد وسوريين". وعلى الرغم من محاولات اسطنبول الجادة لمنع ظهور الحكم الكردي في المنطقة، فإن اسطنبول تقر بأنها "لن تقوم بالاستيلاء على الأراضي بالقوة ولن تقوم بممارسة أعمال عدائية".

ويصر أجدار كورتوف أيضا أن "حرب الجميع ضد الجميع وتقسيم سوريا إلى قطع صغيرة، هي عبارة عن خيارات أخرى متاحة لأصحاب المصالح الرئيسيين". ويضيف الخبير "إذا ما عجزتَ عن هزيمة عدوك فعضة صغيرة يمكن أن تفي بالغرض"، أي أن "قطعة أرض صغيرة يمكن أن تُخلق منها دويلة ويمكن أن تكون وسيلة ناجعة جدا"؛ وهو ما سيحدث تماما.  

ويواصل قائلا "حتى لو افترضنا أن سوريا حققت الانتصار خلف الانتصار بدعم من إيران و روسيا، فلن تتمكن من العودة إلى نفس الحدود الجغرافية السابقة ولا الحفاظ على وحدتها الوطنية مثل ما كانت عليه قبل 10 سنوات".

كما قال الخبير "حتى بعد تحقيق الانتصارات العسكرية فإنه يتحتم على سوريا إجراء العديد من الاصلاحات السياسية. كما أنها ستضطر على التعامل مع بعض القوى المشاركة في الحرب والاستيلاء على الأسلحة العسكرية، بسبب عدم قدرة النظام على توقع نوايا الخفية الخفية لباقي الجهات، التي لن تستسلم وستسعى إلى الظهور من جديد".

وعموما، فإن "سوريا لن تعود دولة موحدة كما كانت عليه في السابق، هذا في حال تمكنت من الحفاظ الشكلي على وحدتها الجغرافية، نظرا إلى أن أجزاء عديدة منها ستحصل على استقلالها السياسي. وهذا يعني أنها ستكون اتحادً متكوّنا من عديد الولايات، ذات الصلاحيات الكلية فيما يتعلق بالقضايا المحلية، وهو ما سيجعل منها دولة مركبة".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس