أمين بازارجي – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس
كتبت قبل عامين تقريبا عن مشكلة جديدة تهدّد بلادنا. حتّى أنني قلت عنها بأنّها أخطر من غاز السّارين الذي استخدمه ديكتاتور دمشق ضدّ شعبه.
في البداية لم يعر أحد الاهتمام الكافي لهذا الخطر. ولكن مع تزايد حالات الموت بسبب هذه المادّة المخدّرة التي تسمّى "البونزائي" أدرك الجميع مدى خطورة هذا التّهديد الذي ينتشر بشكل سريع في بلدنا. حيث بدأنا نرى الجهات المسؤولة تحاول اتّخاذ التّدابير اللازمة لوقف انتشار هذه الآفة الخبيثة.
صحيح أنّ السلطات المعنيّة تحاول أخذ التدابير اللازمة للحيلولة دون انتشار هذه الآفة، لكننا نجد الأغاني التي تردّد اسم هذه المادّة تنتشر يوما بعد يوم على مواقع الإنترنت. ومن اللافت أن اسم هذه الآفة منتشرة في الأغاني الرّومانية. كما أنّنا بتنا نشاهد الدّعايات والإعلانات التي تحرّض المواطنين على هذه المادّة الخبيثة تبثّ علناً.
وزير الصّحة السيّد "محمد مؤذن أوغلو" أعلن خلال الفترة السّابقة عن بعض الرّسائل والشّكاوى التي تلقّاها من الأهالي. ومن بين تلك الرسائل المرسلة من الأهالي، رسالة تقول فيها إحدى الأمّهات التالي: "ذهبت عدة مرّات إلى مخفر الشرطة وقدّمت عدة شكاوي كما ذهبت إلى فروع الأمن وما زال بائع البونزائي قابع أمام منزلي. لقد فقدت ولدي نتيجة هذه الآفة الخبيثة".
يؤسفني أن أقول أن هذا الخطر انتشر الى هذا الحدّ في بلدنا. فهو ينتشر بسرعة كبيرة. والأسوأ من هذا كله، أنّ هذه الآفة كانت تستورد من الخارج. أمّا الآن فنرى أنها تنتج في بلدنا وعلى مرأى ومسمع الجميع. أقول إنها تنتج في بلدنا لأن طريقة تحضير هذه المادّة المخدّرة موجودة في الإنترنت.
من لم يذق مرارة هذه الآفة لا يستطيع أن يقدّر حجم خطورتها. فلقد كنت من الشّاهدين على بعض العائلات التي تورّطت بهذه الآفة اللعينة. فوضعهم ينفطر له القلب لكثرة ما يعانونه من آلام ومآسي. فلا يعرفون إن كان أولادهم على قيد الحياة أم هم في عداد الموتى على الرّغم من بقائهم على قيد الحياة. إنّهم يحاولون إخفاء هذا الواقع عن الناس خشية الفضيحة. كما أنني التقيت ببعض العائلات التي تسعى الى تأمين هذه الآفة مرغما لإنقاذ أولادهم من عواقب الفضيحة التي ربّما تؤدي إلى تدمير مستقبل أولادهم بحسب رأيهم. مع العلم أن معظم هذه العائلات من الطبقة المتديّنة التي تحرص على الابتعاد عن المنكرات والمعاصي.
هذه العلة المسمّاة بـ"البونزائي" لا تضر من يتناولها فقط، بل تسمّم حياة العائلة بأكملها. فخلف الأبواب هناك مآسٍ لا تستطيع الأقلام التعبير عنها.
كل يوم نرى خطر تنظيم داعش يتصدّر واجهات صحفنا. فلو قارنّا خطر البونزائي بخطر داعش، لفاقه ألاف المرات. حيث بتنا كل يوم نقدّم الضّحايا بسبب هذه الآفة.
السلطات التركية أدركت ولو مؤخّرا حجم هذا الخطر الذي يلفّ البلاد من جميع أطرافه. فوزير الصّحة محمد مؤذن أوغلو، شرح لنا الخطوات والتّدابير التي ستتّخذها الحكومة للحدّ من انتشار هذه الأفة خلال الأيام المقبلة. وذلك خلال الزّيارة التي قام بها إلى مقر صحيفتنا. وسترون تلك الخطوات على صفحاتنا الإخباريّة.
لكن السؤال المهم هنا. هل ستكون الخطوات التي ستتخذها الحكومة لمكافحة هذه الآفة كافية للقضاء عليها؟ أم سيتطلّب الامر مزيدا من الإجراءات المختلفة والقوانين الصّارمة؟ هذا ما ستوضّحه الأيام لنا.
لكن في حال عدم تغيير الحس والوعي الاجتماعي تجاه هذه الآفة اللعينة، فمن الصّعب القضاء على هذا الخطر عن طريق القوانين والتّدابير الحكوميّة. فالبونزائي سيستمرّ في حصد الأرواح وسيستمرّ في الانتشار. كما ستستمرّ معه معاناة الأهالي وآلامُهم. لأنّ الحل الجذري سيبدأ من الأهالي ومن المدارس. فالمسؤولية الكبرى في عمليّة التوعية ضد هذا الخطر تقع على عاتق الأهالي والمدارس.
فإذا ترك الأطفال للشّوارع، وإذا ما حرص الآباء على أولادهم، واذا ما أهملوا مراقبتهم وتوعيتهم، فلن نستطيع القضاء على هذه الآفة مهما اتّخذنا من التّدابير القانونيّة والأمنيّة.
وفي هذا الصّدد أوعز وزير الصّحة بأن جميع السّلطات ستعمل بشكل منسّق للقضاء على تجّار البونزائي. وسيتمّ تخصيص الأطباء للإشراف على علاج المدمنين الذين تورّطوا بهذه الآفة. كما قال بأنّه سيولي اهتماما بالغا لمسألة العلاج.
كل ما قاله الوزير جميل وحسن. ولكن الأهم من كل هذا هو دور العائلة في التّوعية.... العائلة ثم العائلة ثم العائلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس