برهان الدين دوران - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
نسمع أكثر التعليقات حول ترامب وتأثيرات وصوله لسدة الحُكم من السياسيين الأوروبيين، لأنّ أوروبا والشرق الأوسط ستكونان من أكثر المناطق تأثرا في حال قرار الولايات المتحدة الأمريكية التخلي عن دورها القيادي للنظام العالمي.
وهذا سيقود إلى أنْ تواجه العواصم الأوروبية مشاكل جيوسياسية حقيقية، ونحن لا نعلم حتى الآن كيف سيتبع نظام حُكم ترامب سياسات تعتمد على القومية الأمريكية والمصالح الخاصة الأمريكية كمنطلق لها، لكن على ما يبدو سيتبع سياسة أكثر واقعية وأكثر شفافية وسيعتمد على المكاشفات والعلاقات الواضحة والأهداف الصريحة.
ويُمكن القول بأنّ ترامب سيعتمد على معادلات قوى ترسمها الزعامات "المقتدرة"، وسيكون التنافس في هذه المعادلات مكشوفة وحادة، وفي حال قيام به بذلك فإنّ وضع أوروبا سيكون صعبا، ولن يكتفي ترامب بتدفيع الاتحاد الأوروبي فواتير مصاريف حلف شمال الأطلسي وإعادة صياغة الاتفاقيات التجارية، بل قد تضطر حينها كلا من فرنسا وألمانيا إلى الاعتماد على سياسات تولي الأولوية لمصالحها القومية، ويأتي ذلك بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، مما يعني قُرب تفككه تماما.
والوصول إلى هذه المرحلة المفصلية في تاريخ الاتحاد الأوروبي، سيعني انهيار اتفاقية الأطلسي بين أمريكا وأوروبا، وقد أشار "يوشكا فيشر"، وزير الخارجية الألماني السابق إلى هذا الخطر بقوله:
"تم إنشاء الغرب في واقع الأمر، على أسس تتعهد فيها أمريكا بحماية حلفائها، واذا لم تقم أمريكا بدورها هذا، فإنّ النظام الغربي سيسقط... اليوم الاتحاد الأوروبي ضعيف للغاية ليكون حليفا استراتيجيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا فإنّ الغرب اليوم، ربما يستهلك أنفاسه الأخيرة".
تخلي أمريكا عن "مسؤولياتها" تجاه النظام العالمي لا يجعل الغرب وحده تحت التهديد والخطر، وإنما مستقبل أوروبا كله سيكون في خطر، وربما تواجه أوروبا خطر الانغلاق على نفسها، وعدم قدرتها على حماية وحدتها، خصوصا مع ازدياد موجات الهجرة وارتفاع منسوب كراهية الأجانب والاسلاموفوبيا، وهذا قد يُفقد ألمانيا وفرنسا وحدتهما مما سيشكل أزمة "فكر" الاتحاد الأوروبي.
واذا بقيت روسيا متفرجة تجاه سياسة ترامب التدميرية لأوروبا، فسيزيد ذلك من صعوبة بقاء الاتحاد الأوروبي واقفا على قدميه، لأنّ حديث ترامب عن مواجهة "التطرف الإسلامي" ووضع حد لتغولات إيران، يحمل في طياته تهديدات لأوروبا، وحينها ستضطر أوروبا للتعاون مع تركيا من أجل الحيلولة دون زيادة موجهات الهجرة لأوروبا وتغلغل "عناصر إرهابية أجنبية" داخل الدول الأوروبية.
أعتقد أنّ دخول أمريكا وروسيا في صراع جيوسياسي، يجعل أوروبا مضطرة للتقارب مع تركيا، ولنرى متى ستدرك العواصم الأوروبية الخطر الذي تتعرض له مصالحها القومية، في الوقت الذي تركت فيه تركيا وحدها في مواجهة إرهاب حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس