د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
تتسارع الأحداث بمنطقتنا بشكل عام وبتركيا بشكل خاص، وكأنه سباق بين مخططين وقطبين يحاول كل واحد منهما تعطيل سناريوهات الآخر وعرقلتها، خشية من عدم القدرة على إيقافها بعد البدأ بنتفيذها.
فمن طرف تسعى الدولتان تركيا وروسيا لإصلاح علاقتهما السياسية والاقتصادية وترميمها بعد إسقاط الطائرة الروسية، وتسريع تنفيذ بعض التفاهمات وخاصة بالملف السوري، حيث شهدنا تدخل تركي سريع بالعمق السوري من خلال درع الفرات، رغم تعرضها لعملية انقلاب فاشل وتضعضع قواتها الأمنية والعسكرية بسبب فصل عشرات الآلاف من عناصر الجيش والشرطة. وتابعنا تسارع الاتفاق الروسي التركي بداية لإخراج عناصر فتح الشام من حلب وتطور الأمر لعملية إجلاء للمدنيين والعسكريين. ولم تغب عن الأنظار محاولات التعطيل الإيراني له.
بالمقابل كان هناك تسارع أيضًا في العمليات الإرهابية التي عاشثتها تركيا فلم تكد تضمد جراحها من تفجير منطقة بيشكتاش بإسطنبول حتى صدمت بتفجير بعده بأسبوع فقط في مدينة قيصري في وسط الأناضول التي لم تشهد أي عمل إرهابي بالفترة الماضيىة والتي لها رمزيتها وثقلها الاقتصادي، وهاهي بعد هذا التفجير بيومين فقط ولا تزال تشيع جثامين ضحاياها فوجئت اليوم بصدمة جديدة من نوع آخر من الارهاب.
أيضا تأتي هذه الحادثة قبل الاجتماع الروسي التركي الذي انضمت إليه إيران لاحقا وتصريح الرئيس الروسي بوتين بأنه اتفق مع الرئيس التركي طيب أردوغان على عقد لقاء بين المعارضة السورية والنظام السوري في الأستانة بعيدًا عن جنيف وأوروبا وأمريكا. وتصريحات الخارجية الروسية بأن التفاهم مع تركيا أصبح أكثر سهولة من التفاهم مع أمريكا.
هذا اللقاء الذي يعول عليه كثير من المحلليين بأن يتمخض عنه ثلاث قرارات هامة أولها الحفاظ على وحدة الأراضي السورية التي هي من أهم أولويات القيادة التركية في الفترة الأخيرة، وثانيها وقف إطلاق دائم وعقد مفاوضات تشكيل حكومة انتقالية بدون التعرض لدور الأسد ومحاربة أو وأد مشروع قوات الحماية الكردية وهو أيضًا هام جدا بالنسبة لتركيا ومقتل للسياسة الأمريكية.
كل هذه الاحداث بالإضافة للخلاف التركي الأوروبي أو لنقل تشنج العلاقة بينهما وتوترها، وتصريح رئيس الجمهورية التركي بأن الاتحاد الأوروبي لم ينفع تركيا بشيء، ويجب على تركيا أن لا تمنع نفسها من التفكير بالانضمام لتحالفات أخرى وبدائل من شنغهاي وغيرها. والشعور التركي الحكومي والشعبي بأن أمريكا والدول الغربية قد خيبت آمالها، وربما كان لهما دور في محاولة الانقلاب الفاشلة والرضى الضمني بالانقلاب لو استطاع النجاح.
بعد كل هذه التطورات المتسارعة تأتي عملية اغتيال السفير الروسي لضرب التقارب الروسي التركي وإعادتهما للمربع الأول، ومحاولة لتحجيم الدور التركي وخاصة في الملف السوري وبالأخص بعملية درع الفرات التي لم يكن بالإمكان لتركيا أن تخطوا خطوة واحدة بسوريا لولا التقارب الروسي التركي.
منفذ العملية ومنذ اللحظة الأولى بدا عليه أنه يجيد حمل السلاح ويتقن استخدامه وأنه قد حصل على تدريب عسكري خاص، ولم تخب تخمينات وتوقعات هؤلاءالمحلليين منذ اللحظة الأولى حيث ثبت انه من قوات الأمن التركية الخاصة ويعمل في أنقرة منذ أكثر من سنتين ونصف.
علاقته مع جماعة فتح الله غولن هي الأخرى بدأت تضح خيوطها، من خلال تاريخه الدراسي في المدرسة العسكرية، وحصوله على إجازة لمدة يومين وتغيبه أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة، تغريدات بعض أعضاء فتح الله غولن الهاربين خارج تركيا بأن السفراء بتركيا لن يكونوا بمأمن من الوصول لهم، وبعض التفسيرات لكلام زعيم الجماعة نفسه الأخير، بما اعتبر بمثابة فتوى شرعية وضوء أخصر، كلها تشير إلى ارتباط هذا الشخص بهذه الجماعة التي قامت بالانقلاب الفاشل.
وفي حال ثبتت التحقيقات صحة هذه القرائن فإن العقل المدبر والمحرض لن يكون خافيا على كل متابع ومواطن ناهيك عن مراكز الأمن والاستخبارات...
نقطة أخيرة تضاف لأهداف هذه العملية وهي أن المنفذ أراد أن يرسل رسالة لعناصر التنظيم لرفع معنوياتهم ولإثبات أن التنظيم لا يزال قويًا ويستطيع الوصول لمن يريده، وهذا ما كان كثير من قادة التنظيم يحاولون إثباته لعناصرهم لكي لا تنهار معنوياتهم ويبدأ الانهيار ومسلسل الاعترافات. وربما كانت التغريدات لتقوية هذا الادعاء والتحدي الذي طالما عرف به هذا التنظيم.
يبقى أن نقول أن الساسة الأتراك صرحوا أكثر من مرة بأن الإرهاب القادم بعد عملية الانقلاب لن يكون على شكل انقلاب كلاسيكي لأن التنظيم فقد قدرته على ذلك، إنما سيكون على شكل اغتيالات على مستوى عال يكون لها صدى وأثر على الشارع التركي... لكن وقوع هذا الاغتيال رغم هذا التحسب والتوقع هو مؤشر أيضًا على خلل لا تزال تعاني منه أجهزة الأمن التركية، رغم إحباط العشرات بل المئات من المحاولات الإرهابية وعلى كل المستويات.
ويظل الأكثر إيجابية بعد عملية الاغتيال هذه هو التقييم المتقارب وتطابق وجهات النظر بين تركيا وموسكو، وتأكيدهما أن هذا الاغتيال هو استهداف للتقارب التركي الروسي. وقبول تركيا بدون تردد الطلب الروسي للمشاركة بالتحقيقات الجنائية لخلفيات هذه العملية...
طلب روسيا تحويل الملف لمجلس الأمن الدولي يؤكد شكوكها بعقل مدبر من خارج تركيا وأن العملية ليست مجرد ردة فعل فردي إنما لها ارتباطات بمراكز استخبارات ودول تقف خلفها...
وهذا ما ستثبته أو تنفيه الايام القادمة...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس