د. باسل الحاج جاسم - خاص ترك برس
سلطت عملية اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة أمس، الأضواء من جديد على العلاقات الروسية التركية، والمخاوف من أن تدفع إلى أن تنفصم عُرى العلاقة التي بدأت للتو باستعادة طبيعتها بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية العام الماضي، مما قد يؤدي إلى تجدد الضغوط الاقتصادية على أنقرة.
للوهلة الأولى تبدو الشعارات الإسلامية التي أطلقها منفذ الاغتيال، يمكن أن تعني للسلطات التركية، والعالم، أحد أمرين إما أنه جهادي أو من أتباع حركة فتح الله غولن والتي تعتبرها السلطات بأنها إرهابية، وكون منفذ الهجوم كان أو ما زال يعمل في سلك الشرطة المخترق بشكل كبير من قبل الجماعة الموسومة بالارهاب، يرجح الفرضية الثانية، مع عدم إلغاء فرضيات أخرى بأن تكون جماعات ودول لا يروق لها التقارب التركي الروسي.
مما لا شك فيه أن هذه الحادثة تضع البلدين على المحك ويبدو أنهما يفعلان ما في وسعهما للحد من تداعيات الاغتيال الذي جاء وسط احتجاجات سلمية في المدن التركية ضد الدعم العسكري الروسي لنظام الأسد في سورية.
المستهدف في العملية هو تركيا قبل روسيا، فهي تمثل سابقة في هذا النوع، وعلى الأغلب ستبقى لغزًا مثل الجرائم الكبرى، ومن يقف خلفها هدفه ضرب التقارب الروسي التركي، الذي بدأ يتجه نحو خلق خارطة سياسية جديدة في العالم، فالملاحظ أن الاتفاق الروسي التركي حول حلب "إن اتفقنا معه أو اختلفنا"، إلا أنه تجاوز لأول مرة منذ خمس سنوات أي دور لواشنطن والأوروبيين في سورية.
كما أن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على عقد اجتماعات لتسوية الأزمة السورية في أستانة عاصمة كازاخستان، يأتي كذلك في إطار التحرك لتغيير مفاهيم كانت سائدة عالميا في المراحل السابقة، وبعيدا عن العواصم الأوروبية والغربية التي ظلت لفترة طويلة تحتكر المحافل الكبرى والتسويات السياسية.
والواضح حتى الآن أن تركيا وروسيا ستضعان "الملح على الجرح" وتستمران في التنسيق والتقارب، لأن كليهما يدرك أن أكثر من طرف يريد لهم السقوط في مستنقع الفوضى التي تجتاح المنطقة، مع عدم استبعاد انعكاسات لتلك الحادثة على المدى المتوسط والبعيد، فالمعروف عن بوتين أن ردة فعله الأولى على أي حدث تكون هادئة وباردة، فالمهم دوما مراقبة أفعاله.
والمرجح بعد هذه الحادثة أن تركيا ستكون متعاونة مع روسيا أكثر من أي وقت مضى، وستجعل حادثة الاغتيال الأولويات مختلفة بين الطرفين خلال الاجتماعات المقبلة، وتبقى هناك فرضية ولو ضعيفة أن ما جرى كان عملا فرديا متعاطفا مع معاناة الشعب السوري ولا سيما في مدينة حلب بعيدا عن أي أجندة سياسية أو دينية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس