برهان الدين دوران - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
بالرغم من أن قتل السفير الروسي أندريه كارلوف كان يهدف إلى تخريب العلاقات الروسية التركية غير أن تأثيرات الاغتيال ستكون أكبر من ذلك. وبالطبع لا تصح مقارنة الحادثة مع مقتل الأرشيدوق النمساوي فرانسوا فيرديناند قبيل الحرب العالمية الأولى.
ومرة أخرى أخطأت توقعات حدوث أزمة بين أنقرة وموسكو. وعلى العكس من أزمة الطائرة فقد بدا واضحاً هذه المرة وجود "تحريض" يستهدف تخريب العلاقات. ولكن كلا الدولتين شكلتا لجنة مشتركة من أجل التحقيق بالحادثة بإظهار إدارتهم للأزمة بنجاح.
كما لم تكن مصادفة وقوع حادثة الاغتيال قبيل قمة موسكو التي غيرت المعادلة الرياضية الموجودة في سوريا. والأهم، هو ارتباط الفاعل بتنظيم فتح الله غولن وقدرته على إيجاد موضوع توتر جديد في العلاقات الروسية الأمريكية. ومن الواضح أن إدارة ترامب ستضطر للتعامل مع هذا التوتر بما فيه سوريا عند تولي مهامها.
من ناحية إن هذا الاغتيال سينقل تنظيم غولن إلى مرحلة الاغتيالات الفردية في ظل استمراره بالتطرف. لهذا ينبغي أن تكون في حالة تأهب قصوى ضد العديد من المتشددين الذين سيتحولون إلى وكلاء عميان للمخابرات الأجنبية. ومن ناحية أخرى يشير ذلك إلى إمكانية حصول تركيا على دعم دولي جديد في حربها مع هذا التنظيم. إضافة إلى إمكانية أن يحتل موضوع النزاع العنيف مع وضع راديكالي متطرف للمشروع مركز الصدارة لدى روسيا المنزعجة من تنظيم غولن الذي يمثل "مشروع الإسلام المعتدل" لدى الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن التطورات الأساسية الحرجة تتعلق بسوريا
فقد أدى إجلاء المدنيين بتوفير وقف إطلاق نار جزئي في حلب إلى بدء عملية بحث عن وقف عام في البلاد. ومن خلال إعلان موسكو توصلت كل من روسيا وإيران وتركيا إلى توافق في المبادئ التي ستشكل البنية التحتية للانتقال السياسي وهي:
- لا حل عسكري للأزمة في سوريا.
- الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
- إتاحة المجال لتنقل المدنيين بحرية في كافة أنحاء البلاد.
- تبني الدول الثلاث دور الضامن في الاتفاق المحتمل بين المعارضة والنظام.
- التفريق بين النصرة وداعش والمجموعات المعارضة المسلحة الأخرى.
إذ يعد الاتفاق الذي توصلوا إليه الخطوة الأولى لعملية أستانا. ولهذا هناك مواضيع من الضروري توضيحها: أي مجموعات تتألف منها النصرة، مكان بي كي كي وحزب الله، والميليشيات الشيعية الأخرى وكيف سيتم تحديد الضامن لها. والأمر الآخر الملفت للانتباه من الإعلان هو ترك الولايات المتحدة الأمريكية خارج الدائرة.
وبالرغم من التأكيد في الإعلان على العمل وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 فقد بدت "عملية أستانا" بمثابة مبادرة أمريكية في سوريا وهزيمة لروسيا.
وكذلك نشر تعليقات سابقة تقيم التقارب بين بوتين وأردوغان كتجربة روسية "لتقويض المعسكر الغربي" عن طريق تركيا. وتغطية هذه التعليقات على سلوك المسؤولين الفعليين. وينبغي التذكير دائماً بأن إدارة أوباما هي من تنازلت عن سوريا لصالح الهيمنة الروسية. إضافة إلى مماطلة أوباما الذي يتوقع إنهاك موسكو مع انتشار "التطرف"، لتركيا مدة طويلة في كلا الموضوعين مثل التخلي عن دعم المعارضة؛ بل والتضييق عليها.
أولهما، التأجيل المستمر لإقامة المنطقة الآمنة والتخلي عن تركيا لتواجه روسيا وحدها خلال أزمة الطائرة. والثاني، تقديم الدعم "الهادئ" لإيران والميليشيات الشيعية، والدعم "الفعال" لحزب الاتحاد الديمقراطي.
غير أن الضرورة الجيوسياسية الناجمة عن كلا هذين الموضوعين قد فتحت المجال أمام حقبة جديدة أدت إلى اتفاق تركيا مع روسيا وإضعاف الدور الإقليمي للولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا السياق يمكن إدراج عملية درع الفرات الممتدة إلى مدينة الباب في الوقت الراهن.
ومما لا شك فيه أن احتمال قبول الولايات المتحدة الأمريكية بفقدان دورها في الشرق الأوسط غير وارد. وفي هذه الحالة ستلجأ إدارة ترامب لإيجاد سياسة إقليمية "بناءة" من أجل استعادة حلفائها مثل تركيا وتحقيق التوازن مع روسيا في المنطقة.
ولهذا فإن السبيل الواجب اتباعه، ليس مواصلة الضغط على تركيا بواسطة حزب الاتحاد الديمقراطي. بل دمج مباحثات جنيف وأستانا من أجل انتقال سياسي في سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس