نشأت شوامرة - خاص ترك برس
تدل الأوضاع العسكرية والسياسية والإنسانية في سوريا على ما تمر به المنطقة من تنافس وصراع إقليمي وعالمي لا يمكن التنبؤ بنتائجه، ولا سيما في ظل التحولات المستمرة في خارطة التحالفات في المنطقة. فقد كانت المعارك الطاحنة في حلب الشرقية مؤخراً أحد أهم الأسباب المباشرة التي دفعت تركيا، الحليف الأول للمعارضة في الشمال السوري، إلى السعي نحو تطبيق حل سياسي يتناسب مع التصورات التركية للحل في سوريا، وبخاصة عند حدودها الجنوبية المضطربة، والتي تعد سببًا رئيسيًا في الأزمات التركية الداخلية، لا سيما منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو الماضي.
وتشهد تركيا ذات العلاقات التاريخية مع الغرب، والعضو في حلف الناتو، انزياحًا نحو علاقةٍ أكثر ثباتًا مع روسيا ذات التأثير القوي في الساحة السورية. وقد تجسدت هذه العلاقة في تجاوز الدولتين أزمة اغتيال السفير الروسي في أنقرة، ونجاحهما في البناء على اتفاق إخلاء المدنيين ومقاتلي المعارضة المحاصرين في حلب من أجل محاولة تطبيق وقف إطلاق نار يشمل سوريا كلها، تمهيدًا لحل سياسي مستند إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الأمر الذي يواجه تحديات جمة وتباينات في وجاهات النظر في صفوف المعارضة المسلحة وفي صفوف النظام وحلفائه على حد سواء بل وفي ظل تباين في وجهات نظر بين القوى الإقليمية والدولية مؤثرة في الساحة السورية.
كانت القمة الثلاثية بين تركيا وإيران وروسيا وما تمخض عنها من إعلان بشأن سوريا، نقطة ارتكاز لخطوات سياسية قادمة قد تؤثر بشكل جدي في شكل الصراع ومآلاته في الشمال السوري وسوريا بشكلٍ عام. فقد عقد وزراء الخارجية والدفاع للدول الثلاث في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2016 اجتماعًا شكل النواة الأساسية لما يعرف بـ "وثيقة موسكو" التي تُطرح كأساس للحل السياسي المستمد من قرار الأمم المتحدة 2254 والهادف إلى جمع قوى المعارضة السورية والنظام السوري في مفاوضات برعاية هذه الأطراف الثلاثة المؤثرة بشكل ملحوظ على القوى العسكرية والسياسية في الساحة السورية، الأمر الذي قد يضفي على المفاوضات وما قد يخرج عنها نوعًا من الثبات ما لم تؤثر التباينات بين الأطراف المتنازعة والقوى الإقليمية والدولية على مجريات الأحداث.
وتشمل النقاط لـ "وثيقة موسكو" اتفاق الأطراف على احترام "سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها بصفتها دولة ديمقراطية علمانية" وتوافقها على "عدم وجود أي حل عسكري للنزاع السوري"، وأكدت على أهمية عمليات إخلاء المدنيين وإجلاء مقاتلي المعارضة والنظام من المناطق الواقعة تحت حصار الأطراف المتنازعة، وعلى أهمية توسيع وقف إطلاق النار ليشمل كامل الأراضي السورية وتسهيل عمليات الإغاثة وتنقل المدنيين. كما أكدت الدول الراعية للوثيقة على ضمان المفاوضات وخارطة الطريق بين الأطراف المتنازعة مثمنين دعوة دولة كازخستان لرعاية المفاوضات بين الأطراف المتنازعة في عاصمتها أستانة مستثنيين من ذلك التنظيمات الإرهابية.
لكن نقاط الخلاف التي بدت واضحة من تصريحات وزراء خارجية دول وثيقة موسكو لا يمكن تجاهلها لا سيما عند الحديث عن ماهية التنظيمات الإرهابية التي يجب أن تستثنى من وقف إطلاق النار، إذ تُصر تركيا من خلال تصريحات حكومتها المستمرة على استثناء الفصائل الكردية التي تعتبرها الانفصالية – بالتحديد قوات سوريا الديمقراطية - من وقف إطلاق النار وعدم ضمها إلى أي مؤتمر مستقبلي للحل السياسي. كما ألمحت تركيا إلى رغبتها بخروج الميليشيات التي تقاتل إلى جانب النظام السوري وبخاصة حزب الله والمليشيات العراقية، وأن كل الأطراف اتفقت على تصنيف داعش وجبهة النصرة ضمن التنظيمات الإرهابية التي لا يشملها وقف إطلاق النار مع ترك آلية محاربة التنظيمات المصنفة بالإرهابية للمؤتمرات المستقبلية.
ومن جهة أخرى، تتعلق الأسباب الأساسية التي دفعت تركيا إلى المشاركة بشكل مباشر في مفاوضات موسكو أولًا، بالأمن القومي التركي، وثانيًا، بتأكيد أهمية الدور والسياسة التركية في منطقة شرق الأوسط من خلال لعب دور هام ومؤثر في السياسة الدولية تجاه إدارة أزمات المنطقة، وثالثًا، بتأمين حدودها مع الشمال السوري في محاولة لوقف تسلل الجماعات الإرهابية، وبشكل خاص تنظيم الدولة الأسلامية (داعش) وجبهة النصر، ورابعًا، محاولة ضبط ومراقبة حركة تدفق اللاجئين، وخامساً، محاولة قطع الإمدادات اللوجيستية والدعم السياسي والمادي بين الاكراد المتواجدين في شمال السوري والاكراد المتواجدين في تركيا، ووقف الدعم الدولي الغربي وبخاصة الروسي لهم. وتأتي هذه الأهداف ضمن السياسة التركية الرامية إلى تأمين الجبهة الداخلية التركية، وتأمين المصالح الاستراتيجية وتشكيل تحالفات عسكرية وسياسة واقتصادية، بسبب ما تتعرض له من تحديات في الآونة الأخيرة، حيث شهدت خلال الأشهر الماضية العديد من العمليات الإرهابية المنظمة سواء من قبل حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) أو تنظيم الدولة (داعش) وجماعة فتح الله غولن وقد تأثر اقتصادها جراء هذه التحديات الناتجة غالباً من أزمات دول الجوار وبخاصة سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس