نشأت شوامرة - خاص ترك برس
أدى الظهور المتسارع للدور الروسي في الصراع السوري وما نتج عنه عسكريًا في معركة حلب وما تلاها سياسياً ما عُرف بوثيقة موسكو، إلى ما يمكن وصفه بتحول مهم في شكل التحالفات الإقليمية والدولية ولاسيما بين الدول المنخرطة مباشرة في الصراع السوري.
فإذا كان خروج مسلحي المعارضة من حلب حدثًا مؤثرًا على كل الشمال السوري بل وربما على مسار الثورة نفسها، فإن وثيقة موسكو كانت ذات أثر جوهري على شكل التحالفات بين الدول الراعية للاتفاق، والتي شهدت علاقات متذبذبة فيما بينها منذ بدأ الصراع السوري.
فقد تبنت كل من تركيا وروسيا وإيران وجهات نظر مختلفة في الصراع السوري انعكست على دعم هذه الدول لأطراف مختلفة في الصراع فنتج عنه تذبذب في العلاقات بينها.
بيد أن وثيقة موسكو تشكل جسرًا بين هذه الدول لا سيما تركيا وروسيا، أما العلاقات بين تركيا وإيران فبقيت ذات منحى تنافسي في ظل تخوف إيران من تقارب روسي تركي الأمر الذي سيؤثر على مصالحها في سوريا والمنطقة.
نجحت كل من تركيا وإيران في الأزمة السورية في تحييد خلافهما حول الصراع هذا الصراع والإبقاء على علاقات ثابتة لاسيما في المجال الاقتصادي، حيث وقع كلا الطرفين العديد من الاتفاقيات التي تهدف إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما بل ويزيد حجم الميزان التجاري بين إيران وتركيا عن حجمه بين تركيا ودول الخليج العربي مجتمعة إذ شكلت تركيا منفسًا تجاريًا مهمًا لإيران إبان فترة العقوبات الاقتصادية التي عانت منها الأخيرة لسنوات عدة.
وتدرك كل من الدولتين حجمهما الإقليمي وتتسم العلاقات بينهما بكونها علاقات عملياتية حذرة إذ تتجنب كل من الدوليتن أي شكل من الصدامات داخل الأراضي السورية، وذلك ينبع من فهم كلا الطرفين لطبيعة دورهما الوازن في الإقليم.
تشكل وثيقة موسكو وما نتج عنها من تغيرات على الساحة السورية أساس التحولات الملحوظة بين الدول الراعية للوثيقة، إذ تشهد العلاقات الروسية التركية تقاربًا ملحوظًا انعكس في تفاهمات إخلاء مسلحي المعارضة من حلب الشرقية. إن هذا التقارب يقلق إيران التي ترى أنه ابتعاد عن رؤيتها الاستراتيجية فيما يتعلق بمستقبل الوضع في سوريا، إذ يرى الجانب الإيراني الفرصة مواتية لتحقيق كم أكبر من الانتصارات على المعارضة المسلحة في ظل ضعف الموقف العربي وانحصار مطالب تركيا فيما يتعلق بزيادة خطر الفصائل الكردية المدعومة أمريكيًّا على مصالحها ونسيجها الاجتماعي وكيانها الدولي.
بيد أن روسيا ذات التأثير العسكري المتزايد في الساحة السورية وبتأثير من تقاربها مع تركيا ارتأت الدخول في المساعي السياسية في ظل توافق ملحوظ بين تركيا وروسيا حول ماهية المنظمات الارهابية في سوريا.
ساهم تحول الصراع في سوريا، من كونه صراع بين مكونات محلية ومصالح محلية إلى شكل من أشكال الصراع الإقليمي بل والدولي، في تعميق التباينات بين الدول الإقليمية، لاسيما الدولتان المؤثرتان بشدة في الصراع بحكم الجغرافيا أو الارتباط الطائفي، حيث أن وقوف كل من تركيا وإيران بجانب أطراف محلية متصارعة ومراهنة كل منهما على تقدم تلك الأطراف أدى إلى تصادمات ظهرت للعيان خلال تفصيل ما يتعلق بالجماعات الإرهابية على هامش وثيقة موسكو، حيث طلبت تركيا تصنيف حزب الله كجماعة إرهابية في سوريا، بينما أكدت إيران على رفضها لذلك.
تدرك إيران عدم جدوى المجازفة بالدخول في صراع مفتوح مع تركيا حتى في سوريا، رغم استيائها من التقارب الروسي-التركي وتفويت ما تعتقد بأنه فرصة لسحق قطاعات مهمة من قوى المعارضة المسلحة في ظل الوضع الدولي والإقليمي الحالي.
وتركز بدلاً من ذلك على تحييد الخلافات المتصاعدة إذ أن الحالة الضبابية التي تسود الساحة الدولية خاصة في ظل عدم وضوح سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة من سوريا وبل من إيران ذاتها وميل روسيا إلى خوض غمار الطريق السياسي خاصة في ظل حصولها على فرصة التحول من طرف مشارك في الصراع إلى ضامن لمرحلة متوقعة من المفاوضات لا يمكن الجزم إلى أين يمكن أن تصل تغيراتها على الساحة السياسية وربما العسكرية في سوريا.
يمكن القول إن إيران تتبنى سياسة انتظار ما ينتج عن مؤتمر أستانا الذي عقد في 23 يناير الجاري، مع ترقب لما ستُقدم عليه الإدارة الامريكية الجديدة من تغييرات في تعاملها مع الملف السوري وما سيترتب على ذلك من تغيرات في شكل التحالفات وطبيعة الصراع على الأرض، إذ ترى إيران أن التسرع في الخروج عن العباءة السياسية لوثيقة موسكو والتفاهمات الروسية التركية قد يؤدي إلى زيادة الضغط عليها في ملفات أخرى كملفها النووي، وقضايا دعم المنظمات الإرهابية، الأمر الذي سيؤثر وبحدة على موقفها على الأرض في سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس