د. باسل الحاج جاسم - خاص ترك برس
يسلط الإعلان عن انطلاق اجتماعات الدورة التاسعة للجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا والامارات العربية المتحدة، غدا السادس من شباط/ فبراير في العاصمة التركية أنقرة، يسلط الضوء على العلاقات الإماراتية التركية، حيث أن وفدا رفيعا يرأسه وزير الاقتصاد سلطان المنصوري سيمثل الجانب الإماراتي في اجتماعات أنقرة.
وتأتي الاجتماعات الاقتصادية المشتركة، بعد أشهر قليلة من زيارة الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الاماراتي، إلى العاصمة التركية، بعد فتور طويل خيم على العلاقات التركية الإماراتية، بسبب المواقف المتباينة من الأحداث في مصر، حيث تدرك أبو ظبي وأنقرة، حقيقة أن لا مشكلة مباشرة بينهما، بعيدا عن ملف الخلاف الوحيد المتعلق بطرف ثالث وهو مصر.
وعبّر الجانبان التركي والإماراتي في فترات سابقة، عن تحول من خلال تصريحات إعلامية متبادلة، عبر عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة على قناة الجزيرة: "كانت علاقاتنا، حتى الأمس القريب، قوية جدا مع الإمارات، ومن الضروري البحث عن أسباب التباعد الذي حدث فجأة بيننا، وبصفتي رئيسًا لتركيا أقول إنه لا بد من إزالة هذه الأسباب في أسرع وقت ممكن، هناك سبب واحد وهو الأحداث في مصر، إلا أنه يجب حل ذلك بالطرق الدبلوماسية، وليس بالحديث، بعضنا ضد بعض".
رحّب الجانب الإماراتي حينها بهذا التوجه، وبعد أقل من 24 ساعة على تصريحات الرئيس التركي جاء الرد الإماراتي إيجابيًا ومرحبًا عبر صفحة وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في "تويتر": الإشارات الإيجابية من الرئيس التركي مرحب بها، ومن الضروري البناء عليها، مضيفًا: العلاقات الطيبة والإيجابية مع أنقرة هي ما ننشده، وقد آن الأوان لتجاوز الخلاف التركي ــــ الإماراتي حول التطورات المصرية، فالمنطقة لا تتحمل مثل هذه الخلافات.
لم تكن زيارة عبد الله بن زايد أواخر العام الماضي مفاجئة، بل أعقبت الكثير من التطورات وتسارع للأحداث، وسبقتها زيارة وزير خارجية تركيا، أبو ظبي في نيسان/ أبريل الماضي، مهدت جميعها الطريق لها، حيث التقى الوزير الاماراتي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كما اجتمع مع نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو مرتين في أنقرة، وإسطنبول، حيث جدد المسؤول الإماراتي، رفض بلاده محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا.
كانت العلاقات الاقتصادية بين تركيا والإمارات تُعد الأكبر حجما والأكثر تطورا على الإطلاق على مستوى دول الخليج العربي، حيث ارتفعت التجارة البينية بنسبة حوالي ألفين في المائة خلال عقد واحد، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 11.5 مليار دولار، كما تُعد الإمارات سوقًا مهمة بالنسبة للمقاولين الأتراك في قطاع الإنشاءات إذ نفذت الشركات التركية حتى العام 2013 مائة مشروع بقيمة 8.5 مليار دولار، وحتى على الصعيد العسكري فعلت الإمارات التعاون العسكري مع تركيا فعقدت عدة صفقات منها شراء 10 آلاف من صواريخ "جيريت" المضادة للطائرات.
بعد أحداث مصر في صيف 2013 توترت العلاقات الإماراتية التركية فجأة، بسبب تباين المواقف حول تلك الاحداث، كما انعكس ذلك سلبيًا على العلاقات التركية الخليجية بشكل عام حتى إن الحوار الاستراتيجي الخليجي مع تركيا والذي بدأ في أيلول/ سبتمبر 2008، وعقد خمسة اجتماعات وزارية مشتركة توقف بعد اللقاء في مملكة البحرين العام 2013.
اختلف المراقبون حول المتغيرات، التي جعلتنا نرى عبد الله بن زايد في أنقرة وإسطنبول، بعد حالة أشبه بالقطيعة لسنوات، لكن الجميع يتفق أن المرحلة حساسة، وتفرض على الجميع التكاتف، ونبذ الخلافات الجانبية، للحفاظ على الأمن والاستقرار المشترك.
وكانت تركيا تفضِّل استمرار العلاقات الثنائية بين البلدين في شتى المجالات، على الرغم من اختلاف موقفيهما من أحداث مصر، فالمعروف في سياسة تركيا الخارجية النشطة والمتعددة الاتجاهات، عدم تأثر العلاقات الثنائية بشأن الموقف من دولة ثالثة، كما هو الحال بين تركيا وإيران، وبين تركيا وروسيا، فهناك خلافات كثيرة، ومع ذلك، تواصل تلك البلدان علاقاتها في المجالات الأخرى، وأي تباين في وجهات النظر والمواقف في بعض القضايا لا ينبغي أن يؤدي إلى القطيعة.
مما لا شك فيه أن التقارب الذي تشهده العلاقات التركية السعودية في الآونة الأخيرة يأتي على رأس التطورات التي قلبت الكثير من الأمورفي المنطقة، ومن أبرز التطورات التي مهَّدت الطريق إلى زيارة وزير الخارجية الإماراتي لتركيا، كما صبّ الاجتماع الوزاري الخليجي التركي الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية في الرياض أواخر العام الفائت، في محطات التقارب بين البلدين، ولا سيما في ضوء ما صدر في بيانه المشترك، واعتبرت دول مجلس التعاون الخليجي بالاجماع، منظمة "فتح الله غولن"، الضالعة في محاولة الانقلاب الفاشلة "إرهابية".
الواضح أن زيارة عبد الله بن زايد لتركيا فتحت صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين أنقرة وأبو ظبي، توجت سلسلة تطورات إيجابية شهدتها علاقات البلدين، ولكن المهم ما سيسجل في هذه الصفحة الجديدة، والمؤكد إن أنقرة ستسعى إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، مع استمرار التباين والاختلاف في بعض الملفات، لأن التوافق التام في جميع القضايا والملفات ليس شرطا لاستمرار العلاقات بين الدول.
جاءت زيارة المسؤول الإماراتي في ظل توافر ظروف ذاتية وموضوعية تُهيء مناخًا سياسيًا مناسبًا لفتح صفحة جديدة بين أبوظبي وأنقرة، وستنعكس حتما على مجمل العلاقات الخليجية التركية وعلى المنطقة بشكل عام، في إطار تحقيق المصالح المشتركة، ولمواجهة التهديدات المشتركة ضد دول الخليج وتركيا.
وباستثناء الملف المصري، هناك تقارب لا تخطئه عين، في وجهات نظر أبو ظبي – أنقرة، حيال مختلف القضايا، فتركيا تدعم التحالف الذي تقوده السعودية وتشارك فيه الإمارات لدعم الشرعية في اليمن، وتتطابق وجهات نظرها مع دول الخليج، لايجاد حل سياسي للأزمة اليمنية.
كما تدرك الدولتان أهمية تعزيز تعاونهما من أجل مواجهة التحديات المشتركة، ولا سيما تحدي الإرهاب وبذل مزيد من الجهود لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة التي تواجه تحديا غير مسبوق.
وعبّر وزير الخارجية الإماراتي، خلال مؤتمر صحافي مشترك في قصر يلدز في إسطنبول، عن تقديره لوقوف تركيا إلى جانب التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وحق الإمارات في الجزر المتنازع عليها والمحتلة من إيران، طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، موضحًا أنه في ظل هذه التحديات، هناك حاجة وسبب قوي لتطوير العلاقات الخليجية – التركية، ناهيك عن الفرص الاقتصادية المتوافرة بين الطرفين، ما دفع إلى إقرار إعادة تفعيل التجارة الحرة بينهما.
وليس ببعيد عن الموقف الرسمي الإماراتي الداعم لتركيا في مواجهة الانقلاب الفاشل، واصلت الشركات الإماراتية مراهنتها على السوق التركية، وعززت الشركات الإماراتية استثماراتها في تركيا، حيث افتتحت إعمار العقارية التابعة لحكومة دبي في آب/ أغسطس الماضي متنزها في مدينة أنطاليا السياحية تبلغ قيمته مليار دولار، وتستثمر مجموعة أبراج كابيتال الإماراتية، التي تدير أصولًا قيمتها 9 مليارات دولار، وتمتلك مكتبًا في إسطنبول، وتدير نحو 900 مليون دولار منذ عام 2007 في السوق التركية، وفقا لبيان سابق للمجموعة، وتقوم حاليا شركة إعمار العقارية، بإنشاء مشروع سياحي وتجاري ضخم في مدينة طرابزون (شمال شرق تركيا على ساحل البحر الأسود) باستثمارات تقدر بمليار دولار.
يبقى القول، إن المرحلة القادمة على الاغلب ستشهد زيارات مكوكية وعلى كافة الأصعدة وفي مختلف القطاعات على طريق تعاون مثمر سينعكس إيجابا على عموم المنطقة، وذكر قبل أيام رئيس مجموعة بن عويضة الاستثمارية زيد بن عويضة، في حديث لشبكة بلومبيرغ، أن هناك مشاريع استثمارية خليجية بقيمة 100 مليار دولار أمريكي ستنفذ في تركيا خلال الفترة المقبلة، وأوضح أن الاستثمارات التي ستنفذ خلال الأسابيع القادمة ستكون بدرجة أولى من السعودية ثم الإمارات، وقطر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس