حسن بولنت قهرمان – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
الفقر هو أكبر أنواع الظلم، وكل الأديان والمعتقدات والسياسة تهدف إلى القضاء على الفقر والحرمان، ولا شك أنّ المجتمعات تتجه نحو الأديان والمعتقدات وتتبع السياسة التي تقضي على الفقر، وعند الحديث عن الإسلام فقد اهتم بصورة كبيرة بهذه القضية، وذكر في ذلك نصوصا عديدة، منها "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع".
تحصل حوادث المناجم، وحوادث عمل، وحوادث غرق لسفن، وأسباب ذلك أمران، الأول، عدم الاهتمام، وعدم المعرفة، وتحت هذا السبب يكمن سبب آخر، وهو أن تركيا من مئة عام تسعى لبناء ثروة ترتكز عليها، وهذا يُسمّى "رأس مال أولي"، وبدون هذا الأمر لن يصبح المجتمع غنيا. واليوم نرى مصطلح "الوحشية الرأسمالية" يطبق على ارض الواقع، فهو يعني غض الطرف عن كل شيء في مقابل زيادة رأس المال.
أما السبب الثاني فهو الحرمان والفقر، انظروا إلى "مذابح" المناجم، وانظروا إلى العمّال الذين ينزلون إلى هناك، أشخاص غير متعلمين، فقراء، عديمو الحالة، ومع أنهم يدركون جيدا ما الذي يمكن حصوله في تلك المناجم، إلا أنهم ينزلون إلى "حفر القبور" تلك، فمن عاد منهم اليوم من الموت، سيذهب مجددا إليه وسيعمل يوم غد مجددا هناك.
بوجود هذين السببين جنبا إلى جانب، تحدث تلك الكوارث، لكن عند النظر إلى الكوارث التي حدثت مؤخرا، فإنني هنا أسجل بعض التطورات الهامة، الأولى هي أنه لا يمكن لأحد اليوم أن يُتاجر في كل شيء من أجل "تراكم رأس المال الأولي" مقارنة بوضعنا اليوم، وهذا مفروغ منه، لأن تلك الأمور أصبحت من العهد البائس الماضي، والذي قد انتهى.
دعونا لا ننسى أيضا أنّ الدولة التركية لم تقصر في حق العاملين، فقانون العمّال تقريبا خرج مع تأسيس الجمهورية التركية، وحتى في نهاية العهد العثماني خرجت بعض القوانين لحماية العاملين، وكان ما بعد عام 1960 بحد ذاته تاريخيا على صعيد الحياة العملية.
أما التطوّر الآخر، فإننا قد عشنا أحداثا أليمة وصعبة للغاية، فحادث "صوما" لن ننساه إلى الأبد، وكذلك حادث غرق السفن أيضا، لكن من جهة أخرى فإننا اليوم أصبحنا مجتمعا قويا، واعيا ومتعلما. وربما هذا ليس كافيا، لكن الحكومة اليوم أصبحت هي الأخرى أكثر إدراكا بأن وجودها مرتبط بحياة هؤلاء العاملين أيضا، فبدئوا بمحاكمات فعلية للمسئولين عن المناجم والتي حدثت فيها الكوارث.
لا شك أنّ هذه التطورات كلها غير كافية أيضا، فلنسأل أنفسنا ما هي التكنولوجيا المستخدمة في المناجم؟ لا يمكن لأحد أنْ يجاوب على هذه السؤال بأنّ التكنولوجيا المستخدمة جيدة، فضلا عن أن يقول ممتازة.
على تركيا اليوم أنْ تقرر، هذا القرار سيكون متعلقا باستخدام التكنولوجيا الدقيقة والمتوسطة، لأنّ مشكلة المناجم مشكلة عويصة، ووجود المناجم مسألة حساسة لأنه مرتبط برأس المال والإنتاج، وتركيا ما زالت إلى اليوم لا يوجد لها رأس مال حقيقي، أي ثروة ترتكز عليها مثل النفط أو غيره، وعلينا اتخاذ قرار استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية لحماية العاملين هناك، ولحماية مصدر دخلنا، وإلا ستتحوّل المناجم إلى مقبرة للفقراء والمحرومين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس