د. سمير صالحة - أخبار الخليج
شهدت العلاقات التركية الإماراتية في الأعوام الثلاثة الأخيرة شيئا من الفتور، انعكس على أكثر من ملف تعاون وتنسيق ثنائي. لكن القناعة المشتركة لدى القيادات السياسية في البلدين كانت دائما هي عدم السماح لأي اختلاف في وجهات النظر بالتأثير على علاقاتهما، ما قد يحرمهما كثيرا من فرص التعاون وتبادل الخدمات والطاقات والقدرات.
باختصار، هناك اليوم تقارب كبير في وجهات النظر التركية الإماراتية تجاه مختلف القضايا، الثنائية والإقليمية، وعلى رأسها الموقف التركي من احتلال إيران للجزر الإماراتية، ودعم أنقرة للتحالف الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية في اليمن، والحرب على الإرهاب، والموقف من الأزمة السورية، وضرورة التصدي للسياسة الإيرانية التصعيدية في المنطقة.
اليوم نحن نرصد عن قرب التنسيق العسكري المشترك الذي كان آخر ثمار الاتصالات واللقاءات التركية الإماراتية عندما التقى وزير الدولة لشؤون الدفاع الإماراتي محمد أحمد البواردي الفلاسي في العاصمة أبو ظبي رئيس هيئة الأركان التركية خلوصي أكار والوفد المرافق له لاستعراض مجالات التعاون الاستراتيجي في عدد من المجالات العسكرية والدفاعية بين البلدين.
المفاجأة التركية الإماراتية كانت من خلال إعلان تدشين المدرعة «ربدان» القتالية، وهي صناعة إماراتية تركية مشتركة، وذلك خلال معرض ومؤتمر الدفاع الدولي «آيدكس 2017»، في مركز أبوظبي الوطني للمعارض في التاسع عشر من شهر فبراير الماضي بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي.
و«ربدان» هي آلية مشاة قتالية برمائية ذات دفع ثماني مطورة من قبل شركة «الجسور»، وهي مشروع مشترك بين شركة «هيفي فيكل اندستريز»، المملوكة «لتوازن» القابضة (حكومية) و«أوتوكار الإمارات» التابعة لشركة أوتوكار التركية.
بالعودة السريعة والخاطفة إلى أهم محطات التحول الإيجابي في مسار العلاقات بين تركيا والإمارات نجد أنها بدأت في شهر ديسمبر 2015. عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوجان عدم وجود مشكلة بين تركيا والشعب الإماراتي، وأن العلاقات بين البلدين اتسمت بقوتها، ومن الضروري البحث وراء أسباب التباعد الذي حدث فجأة وتجاوزه.
رحب وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور محمد قرقاش، بتصريحات أردوجان قائلاً: إن «الإشارات الإيجابية التي جاءت من الرئيس التركي محل ترحيب».
وبذلك فتحت الطريق أمام خطوة جديدة في تطور العلاقات، ظهرت على خلفية الموقف الذي اتخذته الإمارات الداعم لتركيا وحكومتها المنتخبة ديمقراطيا في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد منتصف يوليو المنصرم، حيث أجرى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، اتصالا هاتفيا، بنظيره التركي، أعرب فيه عن حرص بلاده على أمن واستقرار تركيا، أعقبه خطوة تسليم الإمارات في 26 يوليو المنصرم، قائد القوات التركية في أفغانستان، اللواء جاهد باقر المتهم بالمشاركة في المحاولة الانقلابية في أنقرة بعد محاولته دخول دبي.
خطوة مهمة أخرى تحققت في منتصف شهر أكتوبر من العام المنصرم مع زيارة قام بها وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، لتركيا التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوجان ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، والتي وصفت بأنها كانت تتويجا جديدا لمسار العلاقات التركية الإماراتية.
وكذلك زيارة قام بها وزير الخارجية التركي للإمارات في 255 أبريل الماضي، التقى خلالها إلى جانب نظيره الإماراتي، كلا من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي والتي واكبها خطوة انفتاحية جديدة هي قرار عودة السفير الإماراتي لمزاولة أعماله مجددا بالعاصمة أنقرة خلال شهرين.
الجديد الذي وصلت إليه العلاقات في الأسابيع الماضية، كان انطلاق اجتماعات الدورة التاسعة للجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، في السادس من فبراير في العاصمة التركية أنقرة، حيث إن وفدا رفيعا يرأسه وزير الاقتصاد سلطان المنصوري مثل الجانب الإماراتي في الاجتماعات.
تركيا اليوم تعد إحدى كبريات الدول الشريكة للإمارات، بحجم تجارة بينية متزايدة باستمرار، لكن ما يستحق التوقف عنده هو أن العلاقات الاقتصادية بين تركيا والإمارات تُعد الأكبر حجما والأكثر تطورا على مستوى دول الخليج العربي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 11.5 مليار دولار.
وزير الاقتصاد التركي محمد شيمشاك يقول إن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع بنسبة 36 في المائة خلال العام المنصرم. أما على صعيد المبيعات العسكرية فقد عقدت الإمارات عدة صفقات منها شراء 10 آلاف من صواريخ «جيريت» التركية المضادة للطائرات.
هي بداية جديدة في العلاقات بين البلدين، والمؤكد أن التقارب الخليجي-التركي الأخير، دفع باتجاه تحسين العلاقات الإماراتية-التركية. وكل الدلائل تشير إلى الدور السعودي هنا في إطار الدبلوماسية الهادئة البعيدة عن الأنظار بالدفع في هذا الاتجاه الإيجابي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس