د. سمير صالحة - أخبار الخليج
المقاومة الشرسة التي أبداها «تنظيم الدولة أو داعش» في الجيوب المتبقية في مدينة «الباب» السورية تحمل معها علامات استفهام كثيرة. لماذا قبل أن يحاصر في المدينة بهذا الشكل اختار التضحية بالمئات من مقاتليه هناك على عكس ما فعله على أكثر من جبهة في سوريا والعراق حيث رجح الانسحاب والمغادرة عندما كان يشعر بأن الهزيمة حتمية وأنه سيفقد الأرض والعناصر، وأن المقاومة لن تقلب المعادلات العسكرية لحسابه؟
تنظيم «داعش» ربما كان يمنح قوات النظام السوري المدعومة من قبل العناصر الإيرانية، وبينها مقاتلو «حزب الله» اللبناني الفرصة والوقت للاقتراب أكثر فأكثر من المدينة والانتحار لصالحهم ريثما تصل هذه القوات إلى حدود المدينة وتدخل هي هذه المرة في قتال مباشر مع الوحدات التركية والجيش السوري الحر الذين كانوا يطوقون المكان.
تقدم قوات النظام وحلفائه بشكل سريع نحو الباب، وهو الذي لم يخض أي مواجهة مباشرة مع «داعش» في سوريا ولم يتنبه إلى وجود العمليات العسكرية التركية في الشمال إلا بعد 170 يوما على انطلاقها، يؤكد هذا الاحتمال.
الواضح هو أن «داعش» نفذ هذه المهمة في إطار صفقة تبادل خدمات، مركز الثقل فيها السياسة الإيرانية التي تتراجع سياسيا وعسكريا في المشهد السوري، لكن غير الواضح هو بعد حجم التنسيق الموجود بين تنظيم «داعش» والنظام السوري وحلفائه أولا ثم احتمالات انتقال هذا التنسيق والتفاهم إلى أماكن أخرى مثل الرقة ثانيا لقطع الطريق على الخطة التركية التي سلمت لواشنطن مؤخرا والتي يعرف الروس تفاصيلها أيضا وبات محتملا أن تتحول إلى عملية ثلاثية بقيادة تركية أمريكية روسية هناك.
خطأ أنقرة الأهم هو ترددها في عدم حسم معركة الباب باكرا ومنح النظام السوري وإيران و«داعش» والوحدات الكردية التابعة لصالح مسلم مثل هذه الفرص للالتفاف على مشروع «درع الفرات» والمنطقة الآمنة التي تريدها في شمال سوريا، لكن ما جرى على تخوم مدينة الباب قد يتحول إلى حالة اصطفاف سياسي جديد في سوريا والمنطقة ككل في خطط محاربة الإرهاب، ومن يحاول التلطي خلفه والاحتماء به لتنفيذ خططه.
احتمال حدوث تغيير في مواقف القوى الكردية الموجودة في شمال سوريا بين ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار أيضا، فهذا ما تصر عليه أنقرة وقد تقبل به واشنطن وموسكو في إطار خطط ترتيب الأولويات مرة أخرى: القضاء على «داعش» في سوريا والعراق، الإطاحة بالسياسة الإيرانية في سوريا، تحريك نقاشات المرحلة الانتقالية التي قد تشمل رحيل بشار الأسد ونظامه.
التنسيق التركي الروسي الأمريكي في التحضير لمعركة الرقة مع داعش قد يفتح الأبواب أمام تنسيق آخر في العراق ونقطة الالتقاء الأهم التي تجمع وتوحد هذه المرة إخراج إيران من سوريا وإبلاغها الإنذار الأخير في ضرورة التخلي عن سياستها الإقليمية والخليجية تحديدا.
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول لنا قبل أسبوع واحد إن أنقرة قد لا تتوغل أكثر في الأراضي السورية بعد الانتهاء من معركة مدينة الباب، لأنها حدود مشروع المنطقة الآمنة التي تريدها أنقرة.
أردوجان نفسه يقول لنا حاليا إن التنسيق التركي الأمريكي في خطة معركة تحرير الرقة من «داعش» هو ما يناقش الآن بين الجانبين. الحراك التركي الخليجي الأمريكي الأخير يلتقي عند نقطة أساسية هي لجم السياسة الإيرانية الإقليمية وإيقاف طهران عند حدها في سياسات التصعيد في المنطقة.
عندما يقول المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين، إنّ بلاده قدمت خطة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص كيفية طرد عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي من محافظة الرقة السورية ويقول إن أنقرة تنسق مع موسكو في موضوع تحرك قوات النظام السوري في الباب، فالرسالة تعني إيران أكثر من غيرها، وخصوصا أنها تغامر بإرسال المحسوبين عليها إلى هناك في تحد واضح للجميع.
وعندما يبلغ نائب الرئيس الأمريكي مايكل بنس، رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أنّ بلاده تعتزم فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع تركيا، معبرًا عن ذلك بالقول: «يوم جديد في العلاقات التركية الأمريكية»، فعلينا أن نتسلم الرسالة على الشكل التالي: معادلة «أعطني الناي وَغَنِّ» التي أشرف عليها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في الأعوام الأخيرة كاستراتيجية تفاهم أمريكي إيراني إقليمي رفضها الرئيس دونالد ترامب وإدارته بأكملها. هو يريد أن يستعيد الناي من الإيرانيين ولا يريد أبدا أن يغني على معزوفات ألحانهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس