محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
ربما كانت مقولة أمريكا احتلت العراق وسلمت بغداد إلى إيران على طبق من ذهب حقيقة أريد بها باطل أطلقه من أطلقه لغرض إحباط كل عمل مُجدٍ في سبيل إرجاع العراق إلى حاضرته العربية بعد قطيعة منذ عام 1990. هذه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المقولة قد خدمت الإيرانيين كثيرا عندما فتحت الإبواب على مصراعيها في سبيل بسط سيطرتها على أولى وأهم عاصمة عربية.
الحقيقة المؤلمة الأخرى والتي يجب أن نتذكرها هي أن القادة العراقيين لم يتاخروا في أداء الواجب الأخوي تجاه أشقائهم في الدول العربية، وخصوصا في دول الخليج في معظم مناسباتهم، بل في كل مناسباتهم أفراحا وأتراحا. وهذه الحقيقة المرة والمؤلمة لم يستغلها القادة العرب ولم يبادلوهم في أية زيارات لشخصيات قيادية إلى العراق، بل كانت تنتظر مستجدات الأمور وخلق ظروف مناسبة وأجواء وعلامات على نجاح الزيارة، وتركت هذه القيادات العراق وحيدا يواجه مصيره بنفسه دون أية بادرة من شأنها أن تكون همزة الوصل التي تربط العراق بعالمه العربي الطبيعي.
إن العراق اليوم بحاجة ماسة إلى تظافر الجهود العربية في سبيل دعم تطلعات الشعب العراقي في التخلص من آثار الحروب الماضية وكذلك دعمه للتخلص من كافة أشكال الإرهاب الذي يضرب المدن العراقية والدعم المقدم والمنتظر والمأمول من الدول العربية هو دعم معنوي بالدرجة الأولى ويتمثل بدعم الحكومة المركزية التي عزمت على القضاء على الارهاب وكذلك إلى بسط نفوذ الدولة في مختلف المدن العراقية.
كذلك من البديهي القول إن العراق لم يشهد أية حركة إعمارية بمستوى استراتيجي ترجع بغداد إلى سابق عهدها قبل الحروب ومأسيها وإن الإيرانيين الذين كانوا حلفاء بغداد طيلة السنين الأربعة عشر الماضية لم يضعوا حجرة فوق حجر في سبيل بناء العراق، لذا فإن أية مبادرة من أي طرف عربي في سبيل بناء مشاريع جديدة في العراق وإعادة بناء ما دمرته الحروب وتهيئة المعامل والمصانع هي بالتأكيد سيكون موضع تقدير واستحسان مميز لأن العراق بحاجة فعلية إلى إقامة مشاريع صناعية وزراعية وخدمية كبيرة وكثيرة، وكذلك فإن الظروف ستكون ملائمة لإقامة مشاريع استثمارية تعقب هذه التحولات الجدية أو إثنائها في العلاقة بين العراق وجيرانه العرب على وجه الخصوص.
إن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي الأستاذ الجبير إلى بغداد والتي استغربها الكثير من الكتاب ومنهم كاتب هذه المقالة، لم تكن تلك الزيارة إلا نتاج دراسة معمقة حول الدور المستقبلي والمناسب لدولة العراق في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة، والتي من شأنها أن تحدث تأثيرا مباشرا للعراق، وبالتالي تاثيرا على الكثير من دول المنطقة، والسعودية والتي تتزعم الدول العربية قاطبة من خلال مبادراتها وريادتها للشان العربي بكل جدارة ومسؤولية تفتح الباب واسعا ومن جديد لكل الأقطار العربية للمرور والمضي قدما باتجاه عاصمة الخلافة العباسية بغداد المركز. والجدير بالقول إن الدستور العراقي الذي شرعه بريمر قد كفل للعراقيين إقامة الاقاليم المختلفة وبأسباب مختلفة وبهذا يكون العراق بشعبه في حالة من الترقب المستمر حول مجمل المستجدات للأوضاع الإقليمية والداخلية.
من الطبيعي أن نؤكد مرة ثانية أن أية زيارة مرتقبة للمسؤولين العرب إلى بغداد يجب أن تكون تحت بند دعم الحكومة المركزية، والتي ترغب حقيقة وفي هذه الفترة بالذات بمد جسور التواصل والتعاون بينها وبين الدول العربية، وهذا واضح من تصريحات رئيس الوزراء العراقي الأستاذ حيدر العبادي وآماله الكبيرة لوجود علامات ودلالات على إنهاء مرحلة القطيعة بين العراق وجيرانه من خلال بادرة الجبير الموفقة، لذا فإن كل الآمال معقودة الآن على الدول العربية على دعم الحكومة المركزية في بغداد بشتى الوسائل والصيغ والمبادرات وعدم الإثقال على الحكومة المركزية وزيادة كاهلها ومعاناتها من خلال فتح بعض الملفات العالقة بينها وبين جيرانها جراء ظروف استثنائية بل تركها وتأجيلها إلى أوقات متيسرة معقولة وليست بطريقة فرض الأمر الواقع على العراق الذي يحاول انتشال نفسه من مستنقعات دفع إليها بغير إرادة شعبه.
إن المبادرات العربية المخلصة تجاه العراق من خلال دعم الإرادة المركزية ستعيد التوازن إلى السياسة العراقية الداخلية، وستجعل من كل الأطراف التي كانت خارج دائرة التأثير المباشر في الشأن السياسي الداخلي تقفز إلى مركز القرار المؤثر، ولا أرغب بتسمية هذه الأطراف. ومن خلال هذا التطور سيكون هناك تأثير مباشر على القرارات العراقية الخارجية كتحصيل حاصل استنادا إلى مشاركة كل الأطراف وعدم هيمنة طرف محدد على رسم السياسة الخارجية وتطلعات العراقيين.
وفي النهاية فإن من المنتظر أن تعقب هذه الزيارة زيارات مماثلة لمسؤولين من مختلف الدول العربية وخصوصا الخليجية، الجيران الأقرب للعراق، وكبادرة حسن نية يكون من المتامل أن تتكفل هذه الدول بدعم العراق والمساهمة في عملية بناء وإصلاح المرافق والمنشآت الخدمية والإنتاجية ودعم الاقتصاد العراقي في أشكال مختلفة، وأهمها إعادة إعمار المدن التي تعرضت إلى التخريب جراء الحروب والعمليات الإرهابية وكذلك تهيئة وتشغيل المعامل للقضاء على أزمة البطالة المستشرية، إضافة إلى قبول الكوادر العراقية الفنية والأكاديمية في التخصصات المختلفة، وتنسيبهم في الجامعات والمعامل الخليجية وإقامة مشاريع استثمارية مشتركة في العراق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس