علي خيري - خاص ترك برس
طالبُ عِلم تَرَكَ الحواضرَ العلمية التي تتمتع بالأمن والاستقرار ليرجع إلى مضارب أهله البدو الذين تكتنف حياتهم الأخطار، ولا يأمن أحدهم أن يخرج من مضارب قومه إلا وهو مشتمل على سيفه، رجع إلى قومه وأقام بين ظهرانيهم عندما أحس باحتياجهم إلى نصحه وإرشاده وسيفه.
أتكلم هنا عن شخصية علي يار، والتي أبدع في لعبها الممثل التركي "جيـم أوتشـان" ضمن أحداث مسلسل قيامة أرطغرل المسلسل الذي طبقت شهرته الأفاق، شخصية علي يار أتت لتذكرنا بقيم تحتاج أمتنا لاستدعائها في اللحظات الحرجة التي تعيشها في هذة الأيام، أحب أن أتناولها واحدة بعد الأخرى في النقاط التالية.
القيمة الأولى: العلم
أول ذكر لعلى يار في المسلسل أتى على لسان أسرته، وهم يتكلمون عن الابن الغائب، الذي سافر طلبا للعلم في الحواضر العلمية الإسلامية، وبمجرد ظهوره برزت طريقته المختلفة في التفكير والتي تتسم بإعمال المنطق، وحسن التصرف، والذي تجلى بقوة في طريقة كشفه لمقتل توكتاموش الذي قام أورال بتسميمه، كذلك تجلى أثر علم علي يار في نقاشاته العديدة مع أسرته والتي كان يقيم الحجة عليهم فيها.
وهذا ما ينقص الكثير من القادة الذين يتصدرون المشهد السياسي في بلداننا، فقلما تجد فيهم شخصا حصل على قدر مناسب من التعليم، الأمر الذي يجعلهم يسطحون كل الأمور، ويكرهون الأشخاص المتعلمون، بل إنهم يخشونهم لأنهم يرون فيهم عجزهم، فهم لا يفهمونهم، والإنسان عدو ما يجهل.
القيمة الثانية: الوعي السياسي
ظهر الوعي السياسي لعلي يار في إدراكه أن معاقبة أورال على حرقه للسجاد وقتل محاربي أرطغرل فورا، سيشعل نار الحرب بين القبيلتين الشقيقتين، في وقت هم أحوج ما يكونا فيه إلى السلام والاتحاد، وذلك لمحاربة الصليبيين، ودعم الدولة السلجوقية، التي تتعرض للعواصف من كل الاتجاهات، فآثر تأخير معاقبة الجاني مقابل إشاعة السلم.
كذلك تجلى هذا الوعي السياسي في أثناء سعيه لتزويج أرطغرل من أخته أصليهان، وإنكاره على أرطغرل تقاعسه عن إتمام هذا الزواج الذي قد يوحد القبيلتان، وسعيه في إشراك قبيلة الكايي في تجارة قبيلته.
الرجل هنا يفهم الوضع جيدا، وأستطاع أن يميز الحق من الباطل، ولكنه يحاول بالسياسة أي بالطرق الناعمة عدم إشعال الصراع بين القبيلتين، وتوحيدهم على هدف واحد بعيدا عن أطماع أسرته، التي تريد أن تستأثر بأي مغانم ولا ترى في قبيلة الكايي بزعمة قائد كأرطغرل إلا غريم قد يشاركها في الزعامة، بل قد يزاحمها فيها، ويزيحها عن الصداره التي يرون أنهم الأولى بها.
القيمة الثالثة: الفروسية
العالم العامل هو أقرب العلماء إلى قلوب الرعية، وأرهبهم لقلوب الرعاة، وإن كانوا طغاة لا يخشون في الله لومة لائم، لذلك أبرز صناع المسلسل جانب الفروسية في شخصية علي يار، فهم لم يصوروا الرجل في صورة طالب العلم المنكفئ على علومه، والذي يتوارى في حمى غيره وقت البأس، لا فعلي يار هنا فارس مغوار لا يشق له غبار، يتقدم قومه في ساعات الخطر، ويستطيع أن يدافع عن معتقداته بسيفه، ويرمي من يروم دينه أو عرضه بسهامه التي لا تخطئ هدفها.
تجلت فروسية علي يار في أكثر من موقف، أذكر منها اشتراكه مع أرطغرل في إنقاذ السلطانة حليمة وشقيقته أصليهان، من قطاع الطرق الذين حرضهم أورال، والموقف الثاني الذي أظهر فروسية علي يار وحنكته السياسية، عندما تنكر وتصدى مع محاربي أرطغرل لفرسان الهيكل الذين هاجموا هيلينا ابنة تقفور حاكم قلعة كاراجيسار، وأقول حنكته السياسية لأنه لم يظهر هويته، لأن الوضع لم يكن مناسب لفضح تآمر أخوه أورال، الذي كان يأمل أن يقنعه لمناصره أرطغرل.
والرجل لا يسرف في السياسة التي وإن كانت لا غنى عنها، إلا أن الأسراف فيها والنظر إليها باعتبارها هي الحل الوحيد يسلب الكرامة ولا يحمى العرض، فالسياسي الذي لا يتحرك عن قوة لا يملك إلا التنازلات، وهذا الصنف من الناس هو الذي أودى بأمتنا الى الدرك الذي وصلت أليه.
القيمة الرابعة: الولاء والبراء
إذا أردت أن تصف الهدف من شخصية علي يار في مسلسل قيامة أرطغرل في كلمتان فلن تملك إلا أن تقول: الولاء والبراء، الرجل هنا أمام أختبار صعب جدا، عقيدته ودينه وأنتمائه للحق في كفة، وأهله وقبيلته في كفة أخرى، تيقن علي يار بأن أبوه وأخوه صمموا على محاربه الحق، وأعماهم حب السيادة ومنافسة أرطغرل عن رؤية الحق، وتأكد أن أي وعظ أو نصيحة لم يعد مؤثرا لتغيير وجهة نظرهم، فلم يتردد في أن يردهم بالقوة، في اللحظة الحاسمة تولى علي يار الحق المتمثل في أرطغرل، وتبرأ من الباطل والظلم المتمثل في أهله وأخوته.
انتمى علي يار إلى أخيه في الحق (أرطغرل)، والاعتقاد وتبرأ من أخوه في الدم (أورال)، وأكاد أجزم أن كاتب الشخصية أستحضر أثناء صياغته للحظات المواجهة بين علي يار ووالده، تلك المواجهة التي سجلتها ساحة معركة بدر، والتي قتل فيها سيدنا أبو عبيدة بن الجراح والده، عندما كانت المواجهة حتمية، بين الحق والباطل.
كم نحتاج هذة القيم التي نجح صانعوا العمل في جمعها بشخصية علي يار في عالمنا المعاصر اليوم لتخرج أمتنا من المأزق المخيف الذي تقف فيه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس