مصطفى كرالي أوغلو -صحيفة قرار- ترجمة وتحرير ترك برس
بات من الواضح أنّ المنطقة لن تنعم بالأمن ما لم تُحل الأزمة السورية. وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا وإيران والمملكة العربية السعودية لن تنعم بالاستقرار في سياساتها الخارجية ما لم تُحل القضية السورية. هل هناك داع للحديث عن الإنسانية؟ كم من الأطفال عليهم أن يموتوا فوق التراب السوري كي يتحدّث العالم عن الإنسانية؟
إن المجزرة التي وقعت في إدلب ليست الوحشية الأولى التي يرتكبها نظام الأسد في سوريا، ولطالما أنّها ليست المرّة الأولى التي يقوم بها بمثل هذه الوحشية، فهذه المجزرة هي حلقة تضاف إلى سلسلة العمليات الوحشية التي ارتكبها، ولن تكون الأخيرة.
دعونا نتذكر: عندما استخدم الأسد السلاح الكيماوي للمرة الأولى في الغوطة الشرقية عام 2013، الجميع حبس أنفاسه ووجّه أنظاره باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية بانتظار ما ستفعله الأخيرة، ذلك لأن استخدام السلاح الكيماوي كان بالنسبة إلى أوباما خطا أحمر، يجب عدم تجاوزه، حسب ما أعلن عنه بكل وضوح.
كما هو معلوم فالولايات المتحدة الأمريكية تجاهلت استخدام النظام للسلاح الكيماوي، وهذا الشيء فتح أمام نظام الأسد المجال لاستخدام الخيارات كلها. إنّ الأسد عدّ صمت الولايات المتحدة الأمريكية أنّه بمثابة الضوء الأخضر لفعل ما يحلو له.
دخلت روسيا الميدان السوري، وفيما بعد دخلت إيران بكل ثقلها العسكري، وحينها فهمت تركيا أنّ السير بشكل متواز مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الملف السوري لن يجدي نفعا. كلنا يعلم ما الذي حدث فيما بعد، بدأت روسيا بتشكيل مناطق آمنة من أجل نظام الأسد، إيران بدأت توسّع مناطق نفوذها، وبدأ حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية بالانتشار في مناطق واسعة من شمال سورية، متجاوزة بذلك التوقعات كلها. المعارضة المعتدلة بدأت بالاحتضار، وخير دليل أنّ الجيش السوري الحر على الرغم من عملية درع الفرات لم تكتسب قوة.
في ظل كل هذه الأحداث واصل نظام الأسد جرائمه، روسيا بدورها استمرت بقتل المدنيين في عالم لم تلقِ فيه بالا لأيّ من القوانين، إذ تحوّلت حلب بكل ما تحمله الكلمة من معنى إلى مذبحة روسية. وكما أنّ روسيا اتُهمت إلى جانب النظام فيما يخص المجزرة التي وقعت في إدلب، كانت قد اتُهمت في وقت سابق أيضا ولكنها لم تلقِ بالا لأيّ من الاتهامات.
إنّ تصريحات الولايات المتحدة الأمريكية التي نوّهت قبيل المجزرة إلى ضرورة إيجاد حل يشمل النظام السوري، أدّت إلى فتح المجال أكثر أمام ديكتاتورية الأسد. ولنكن واقعيين، أدلت أمريكا في وقت واحد تصريحين جاء مفادهما "علينا أن نركّز على حلّ يجب أن يكون فيه للأسد دور". ومجزرة إدلب لم تحدث إلا بعد هذه التصريحات التي جاءت من واشنطن.
لا يوجد في العالم كله قائد يتابع الولايات المتحدة الأمريكية والبيت الأبيض عن كثب كما الأسد. ما إن كان أوباما يخلف في وعوده حتى كان الأسد يشرع إلى ارتكاب جرائم جديدة. وما إن أعطى ترمب بإشارات في تغيّر السياسة حتى هرع النظام إلى استهداف شعبه بغاز السارين".
لا يمكننا وصف التراجيديا التي تحدث في سوريا، العبارات تعجز عن ذلك. إن أطفال إدلب الأبرياء سينطون ضمن صفحات التاريخ السوداء، وسيتم نسيانهم إلى حين حدوث مجزرة جديدة، ذلك لأن العالم اليوم لم يتعوّد على عدم العدل فحسب، وإنما تعوّد على عدم وجود القوانين أيضا.
الجميع يعلم بأنّ الخطوات التي لم تُتخذ في وقتها فيما يخص القضية السورية، أدت إلى جعل إمكانية إيجاد الحل أمرا صعبا. ولنكن واقعيين، يبدو وكأنّ إدارة ترمب لا يوجد لديها المجال الكافي الذي يؤهلها لحل المشكلة في سوريا. وفي ظل تركيز تركيا -التي تعدّ واحدة من الدول الفاعلة- على حزب الاتحاد الديمقراطي، بات موضوع إيجاد حل في الملف السوري أمرا صعبا، لا يمكن تخمين من أين سيتم البدء في الملف السوري، ولا سيّما أن مجلس الأمم المتحدة لا يستطيع حتى أن يدين ما يحصل في سوريا بسبب حق النقض الذي يستخدم من قبل بعض الدول".
إن بوتين والأسد على معرفة بالأزمة التي يعيشها العالم الديمقراطي!!، ويحاولون الاستفادة منها، ويواصلون تقدّمهم على أساس أنّه ذات يوم لدى جلوسهم على الطاولة، كلّما كانت الأراضي التي تحت سيطرتهم كبيرة، وعدد السكان أقل، كلما كان الأمر أفضل بالنسبة إليهم".
على الولايات المتحدة الأمريكية أن تمارس قوّة من شأنها أن تعيد التوازنات في المنطقة، ولو لم تكن من أجل إيجاد حل نهائي فيها. وما لم تتدخّل أمريكا فإن استخدام تركيا للقوة العسكرية لن يجدي النفع الكبير
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس