غولنور أيبيت - نيويورك تايمز - ترجمة وتحرير ترك برس
يتوجه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد فى استفتاء حول دستور جديد لتغيير نظام الحكم في بلادهم. قدم حزب العدالة والتنمية الحاكم هذه التعديلات في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي بدعم من حزب الحركة القومية المعارض، لإصلاح العيوب في النظام الحالي. ولسوء الحظ، فإن مقترحات التغيير الدستوري التي قدمتها الحكومة أُخِذَت خارج السياق، فقد تعاطى المعارضون مع الاستفتاء على أنه محاولة من الرئيس رجب طيب أردوغان للاستيلاء على السلطة، بدلا من التعامل معه على ما هو عليه في الواقع، أي محاولة لتطوير الحكم.
يستند النظام السياسي الحالي في تركيا على الدستور الذي كتبه الجنرالات في عام 1982 بعد عامين من الانقلاب العسكري الذي قاموا به، ثم عدل هذا الدستور 18 مرة في ظل ست حكومات متتابعة. وفي عام 2007 أجري استفتاء بشأن تعديل نظام انتخاب الرئيس ليصبح بالاقتراع المباشر، وحصل هذا التعديل على موافقة أكثر من 60%، بيد أن النظام السياسي ما يزال مليئا بالتضارب وغياب الفاعلية.
لا ينص الدستور الحالي على نظام برلماني ولا على نظام رئاسي، وهو في الواقع نظام هجين برأسين، بوجود البرلمان والرئيس المنتخبين انتخابا مباشرا. ومع وجود رئيس ورئيس للوزراء منتخبين بالتصويت الشعبي، فإن أي نزاع كبير حول السياسة بين الزعيمين قد يتسبب في الدخول إلى طريق مسدود وإلى أزمة سياسية.
والواقع أن تركيا ليست في مأمن من هذه الأزمات، فقد كلفت التوترات التي وقعت في عام 1992 بين الرئيس تورغوت أوزال ورئيس الوزراء سليمان ديميريل، تركيا كثيرا فى شؤونها الدولية، كما أدى الصراع بين الرئيس أحمد نجدت سيزر ورئيس الوزراء بولنت أجاويد، إلى فوضى اقتصادية احتاجت لسنوات من أجل التعافي منها. كان استفتاء عام 2007 خطوة نحو إنشاء رافد تنفيذي أكثر فعالية، لكنه لم يكن سوى خطوة جزئية نحو الاستقرار. وعلى ذلك فباستبعاد مكتب رئيس الوزراء، ووضع السلطة في يد المكتب الرئاسي، سيتم التوفيق بين هذه التناقضات.
ربما يجادل منتقدو الاستفتاء بأنه ينبغي لتركيا أن تعود إلى النظام البرلماني البحت، بيد أن هذا الظام كان نظاما فوضويا أيضا. فعلى مدى 95 عاما هي عمر الجمهورية التركية كان هناك 65 حكومة (في الديمقراطية البرلمانية العادية التي تجري فيها الانتخابات كل أربع أو خمس سنوات، تتشكل نحو20 حكومة خلال هذه الفترة الزمنية). أدى النظام القديم إلى سلسلة من الائتلافات الحكومية غير المستقرة التي مهدت الطريق للانقلابات العسكرية.
عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في بداية الألفية الثانية شهدت البلاد حالة كبيرة من الاستقرار، لكن هذا كان استثناء في تاريخ تركيا الحديث، وربما لا يكون الحال هكذا دائما، ففي انتخابات يونيو/ حزيران 2015 احتاج الحزب إلى 20 مقعدا لينال الأغلبية البرلمانية، وكانت النتيجة برلمانا غير مستقر بسبب الخلافات الشديدة بين الأحزاب السياسية الرئيسة في تركيا. وعلى الرغم من أن استفتاء عام 2007 جعل انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، مما يوفر هيئة رئاسية أقوى، فإن اعتماد هذا التغيير خلق نظاما ينتخب فيه الشعب هيئتين رئيسيتين: الرئيس ورئيس الوزراء. وما يزال هذا النظام يشكل خطرا؛ لأنه يخلق هيكلا تنفيذيا هشا يمكن أن يؤدي إلى حالة من الجمود التام في الحكم.
ثمة أسطورة أخرى تزعم أن الدستور المقترح سيعطي السيد أردوغان السيطرة الكاملة على القضاء. والواقع أن الدستور الجديد سيسمح للرئيس بتعيين أربعة أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، وهي أعلى هيئة قانونية في تركيا مسؤولة عن الإشراف على النظام القضائي. هذا العدد في الواقع هو نفس العدد الذي يعينه الرئيس الآن. وعلى الرغم من تخفيض عدد أعضاء المجلس، فإن هذا لا يعني تقليل صلاحياته، بل سيكون هيئة أكثر ديمقراطية، حيث إن البرلمان هو من سيعين الأعضاء المتبقين وليس محكمة النقض غير المنتخبة.
وعلى ذلك فإن الادعاء بأن سلطة الرئيس في تعيين القضاة ستتغير في النظام المقترح عن النظام الحالي هو ادعاء مضلل. ولن يتغير مجموع أعضاء المحكمة الدستورية وتكوينها، وكل ما سيفعله الدستور الجديد هو إلغاء محكمتين عسكريتين موجودتين في الدستور الذي وضعه الجيش عام 1982، وبالتالي وضع القضاء تحت السيطرة المدنية التامة لأول مرة في تاريخ تركيا.
سيعمل الدستور الجديد أيضا على تحقيق الانسيابية في العملية التشريعية. صحيح أن الرئيس سوف يكون قادرا على إصدار القوانين بموجب مرسوم رئاسي، لكن هذا لن يرتبط إلا بمجالات محددة تتعلق بالسلطة التنفيذية مثل، تنظيم مجلس الأمن القومي، وتحديد المبادئ التوجيهية لتعيينات الإدارة العليا. ويحق للبرلمان أن يصدر مرسوما يلغي ويبطل المرسوم الرئاسي عن طريق إصدار قانون بشأن الموضوع نفسه، وتخضع المراسيم الرئاسية لإشراف البرلمان والمحكمة الدستورية.
أما أكبر نقد يثيره أنصار حملة التصويت "لا" على الدستور،ومفاده أنه لن يترك أي رقابة وقيود على السيد أردوغان، فهذا خطأ واضح، حيث ينص الدستور المقترح على أن الرئيس - إلى جانب نائب الرئيس ووزراء الحكومة - يمكن ان يخضعوا للتحقيق البرلماني، وإذا وجد التحقيق أنهم مذنبون، يمكن للبرلمان أن يحيلهم إلى المحاكمة أمام المحكمة العليا. ستكون هذه الرقابة في الواقع أكثر مما يخضع له الرئيس الآن، إذ لا يتضمن النظام الحالي في تركيا أي آلية للطعن أو للتحقيق في السلوك الرئاسي.
وعلاوة على ما سبق، فإن هذه الإصلاحات لم تكن من ابتكار الرئيس أردوغان، فقد دعا الرؤساء السابقون، بمن فيهم تورغوت أوزال وسليمان ديميريل وتانسو تشيلر، إلى إجراء إصلاحات مماثلة. لكن عندما طرح حزب العدالة والتنمية مجموعة من الإصلاحات القابلة للتطبيق، إذا بالمؤيدين السابقين للتغيير في جبهة الوسط والجبهة اليمينية المتطرفة مثل بعض أعضاء حزب الحركة القومية، وحزب السعادة المحافظ يصبحون فجأة مدافعين عن النظام القديم الذي لم يعد ملائما.
ليس المنتقدون للدستور الجديد في داخل تركيا هم المنافقين فقط، فمن يثيرون المخاوف في الغرب ينتقدون السيد أردوغان بشده على مشروع الدستور المقترح زاعمين أنه سيعزز سلطته، على الرغم من أن لهم تاريخا طويلا في دعم المستبدين في بلدان أخرى. لقد اكتشف هؤلاء بطريقة ما أنه عندما يسعى زعيم منتخب مثل أردوغان، فإذا به يصبح فجأة مستبدا يحاول جمع السلطة في يده.
سوف يقرر الشعب التركى مستقبل النظام السياسى لبلاده يوم الأحد. لا يوجد رئيس فوق إرادة الشعب، بمن فيهم السيد أردوغان نفسه. بإمكان خبراء التضليل الإعلامي المحترفين والسياسيين الانتهازيين أن يشوهوا التعديلات المقترحة، ولكن بغض النظر عن إبعادهم للنقاش عما هو ضروري لنظام سياسي فعال في تركيا، فإن إرادة الناخبين يجب أن يقبلها الجميع في النهاية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس