علي خيري - خاص ترك برس
أوقات الأزمات والانتقال من نظام لآخر، تظهر ظواهر مجتمعية خطيرة، إن لم يتداركها المجتمع في مهدها استفحلت، وهددت هذا المجتمع في بقائه ووحدته، ومن أخطر هذه الظواهر ظاهرة التصنيف.
فالمشكلة التي تظهر بمجرد زوال نظام وبدء نظام جديد، هي أن أتباع كل فريق، يحاولون التكتل ضد الفريق الآخر، في كل اجتماع يضم مجموعة من الناس، كالمواصلات العامة، والأفراح، وأماكن العمل، وحتي دور العبادة لا تخلو من هذه الظاهرة.
فإنك تجد أحدهم يفتح معك حوارًا، ويستدرجك لتقول رأيك في الوضع الراهن مثلًا، فإذا خالفته في رأيه تجد التهمة جاهزة، و بطاقة التصنيف جاهزة؛ ليلصقها في وسط جبهتك بدبوس الاتهام، ولا مانع من بعض الألفاظ التي تدل على أنك شخص لا تحب وطنك، تريد أن تشيع فاحشة التفكير في الذين آمنوا بفكر الزعيم ـ من وجهة نظره ـ أيًا كان.
المشكلة هي أنك قد تجد الإعلام يساعد، بل يشجع على اتباع الناس لمثل هذه السياسة، فهو ينشر بين الناس ألفاظًا كانوا يجهلون أنها موجودة في الأساس، ناهيك عن أن يعرفوا معناها، مثل «طابور خامس – الانتماء إلى الماسونية – حروب الجيل الرابع – إلخ …».
كما قلنا إن هذه المشكلة تظهر في المجتمعات التي تتعرض لهزة ما، أيا كانت درجة ثقافة هذا المجتمع، ولكن أول من يسعر نار التصنيف في مجتمع هي الفئة المثقفة فيه، وذلك إما لولع المثقف بالتنظير، أو لرغبته في الانتقام من الطرف المخالف، والحلول محله، فتجده هو من يخترع المصطلحات التصنيفيه الاتهامية، وهو لا يدري بذلك أنه ـ بأول مصطلح يخرج من فيه ـ يضرب بمعوله في أساس المجتمع الذي يجب لكي يستمر أن يتوافق أطرافه على أنهم نسيج واحد، وإن اختلفت أطيافهم، ولكن الفئة المثقفة هي أيضا أول من تصطلي بنار هذا التصنيف؛ لأن هذا التصنيف الذي قد يبدأ في صورة ترف فكري – إن افترضنا حسن النية – يتحول في الغالب إلى تطرف مقيت، تسفك على أثره الدماء.
إن أردت مثلًا يوضح ما سبق، فلن تجد مثالًا أقرب لك من ثورات الربيع العربي، وما أنتجته هذة الثورات التي كان من المفترض أن تبث فينا دماء الحياة والشباب، ولكن أعداء هذه الثورات في كافة الأنظمة انهالوا عليها بسلاح التصنيف الأسود، فانتكست في المعظم، وعادت الأنظمة القديمة بوجوه أكثر بشاعة، وبقلوب أشد سودا على شعوبها.
التصنيف الاتهامي سيئ النية حمال الأوجه هو السلاح الذي تم شهره في وجه ثوراتنا الطاهرة، التصنيف هو السلاح الذي شوهوا به ثوراتنا أمام شعوبنا، فأصبحت شعوبنا كارهة للفظ «الربيع العربي»، والذي لم يقم إلا ليحررهم.
تونس، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن، معظم هذه الدول فشلت ثوراتها أو كادت؛ لأن أعداء هذه الثورات نجحوا في حصر الثوار داخل تصنيف بعينه، وجردوا هذه الثورات من شعبيتها، ونجحوا أيضا في تأجيج الصراعات التصنيفية داخل المجتمع، فهذا سني وهذا شيعي، وهذا إخواني وهذا سلفي، وهذا ليبرالي وهذا علماني، المشكلة، والمشكلة الكبيرة جدًا تكمن في وجود شريحة كبيرة جدًا من شعوبنا لا تعرف الفرق بين معظم هذه التصنيفات، فانت لو نزلت الشارع المصري مثلًا، وسألت مواطنًا بسيطًا ما هو الفرق بين الشيعي والشيوعي، فلن تجد جوابًا! طيب! ما الفرق بين الإخواني والسلفي، لن تجد جوابًا أيضا! ولكنه من السهل عليه كما علمه الإعلام أن يرمي الشخص الذي يكلمه بالتصنيف الذي تتم شيطنته حسب مقتضي الحال.
يا شعوبنا الحبيبة أنقذوا أنفسكم وأهليكم من نار التصنيف التي لا وقود لها إلا أنتم!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس