علي خيري - خاص ترك برس
أن تعرف أن هناك من تلجأ إليه إذا ساءت الأمور، أن تتأكد من أن لك مرجعية تستشيرها إذا اختلطت عليك السبل، أن يكون لك قدوة ومثل أعلى تتلمس خطواته لتمشي عليها في هذة الحياة، أن تجد من يلزمك حدك إذا تماديت لأنه خائف عليك، إذا لم تجد من يصنع لك أيا من هذة الأشياء، فعليك أن تعرف وقتها أنك يتيم.
ولأن اليتيم قد يضيع وسط زحام الحياة، وضغوط المشكلات التي لا تكف عن العصف بمن حوله، لدرجة قد لا تجعل أي أحد يلتفت اليه، نبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم -والذي نشأ يتيما- لأهمية وضع اليتيم، ووعدنا بجزيل الثواب الذي يحوزه من يكفل اليتيم ويهتم به، ولا يشعره ببؤس الحاجة، وذل السؤال، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى.
واهتمام المجتمع باليتيم من عدمه تستطيع أن تعتبره مقياس لحياة أو موت هذا المجتمع، الحماية التي يوفرها المجتمع لليتيم، دليل على الرقي الذي وصل اليه هذا المجتمع، ومقياس لدرجة الرحمة في نفوس أفراده، تلك الرحمة التي أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنها لا تنزع إلا من شقي.
والمجتمع الذي يحول اليتيم الذي لا يجد من يرعاه ويعوله إلى سائل أو مجرم أو مشرد هو مجتمع يتيم، لن يختلف مصيره عن مصير اليتيم الذي ضيعه، وخان أمانته، أقول أمانته لأني أرى أن الأب الذي يموت في مجتمع ما، وكأنه ترك صغيره اليتيم أمانة في رقبة هذا المجتمع، وويل لمن ضيع الأمانة.
ولكن المشكلة الكبيرة لو ضرب اليتم أطنابه في مجتمع بأسره، بمعنى أن يصبح هذا المجتمع كاليتيم الذي لا يجد من يرشده أو يأخذ بيده إلى طريق النجاة، واليتم يضرب المجتمعات مثلما يضرب البشر تماما، وذلك إذا ماتت القيمة أو مجموعة القيم التي تأسس عليها هذا المجتمع.
فالقيم التي تتأسس عليها المجتمعات تحل محل الأب في الأسرة، والقائد في الجيش، والرئيس في الدولة، حيث أن هذة القيم هي من ترسم الخطوط العامة التي يعيش داخلها أفراد المجتمع، وتحدد الروابط والصلات التي تربط بين أفراده ، وتشكل الغايات والأهداف العامة التي يسعى العقل الجمعي للمجتمع لتحقيقها، هذة القيم هي التي تحدد الصواب من الخطأ، والجيد من السيء.
فإذا غابت تلك القيم يدخل المجتمع في حالة اليتم، فيصبح هشا ضعيفا تتقاذفه الأهواء والأفكار السامة ويفقد حمايته، فيصبح عرضه للأدمغة السقيمة التي تجرب فيه المذاهب الفاسدة، وللذمم الخربة التي تقلب كيانه فيصبح حرامه حلال وحلاله حرام، فيجد أفراد المجتمع أنفسهم حائرين مشتتين، يشعروا بالغربة في مجتمعهم، ويفتقدوا السبب الذي جمعهم في كيان واحد، فيرفض كل منهم التنازل أو التضحية لصالح مجتمعه، فتدب الفوضى في المجتمع، ويفقد أهم وآخر أركانه وهي رغبة أفراده في العيش معا.
وقد عرف أعداؤنا من أين يؤتى مجتمعنا، فضربوا قيمنا بلا رحمة أو هوادة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس