علي خيري - خاص ترك برس
كان الصيف في أوله، أكاد أجن من فرحتي بنهاية العام الدراسي الذي كان يسير كالسلحفاة، أتخوف بعض الشيء من نتيجة الامتحان، ولكني أحاول تجاهل هذة المخاوف بالإمعان في اللعب واللهو، الساعة تخطت الواحدة صباحا، حاولت والدتي أن تجعلني أنام بكافة الطرق، إلا أنني كنت أقول لها ولماذا أنام ألم تنتهي الدراسة، التلفزيون يعرض على قناته الثانية فيلما أجنبيا في الغالب فيلم رعب، جاء والدي من العمل، قال لي طالما أنك تريد أن تسهر فهل لا يكون السهر إلا أمام التلفاز، قلت له وأنا مدرك أنني لن أستطيع التغلب على حججه المحكمة والتي يعجز أمامها الكبار، وماذا أفعل؟ رد والدي ببساطة: فكر، قلت له فيم أفكر، أستغرب والدي قائلا في شئون حياتك يا أبني، فكر في مستقبلك، وبالفعل انطفأ التلفاز وجلست أفكر فيما عساي قد أفكر فيه، إلا أن كل ما فكرت فيه وقتها أن حياتي بلا هموم، فكل شيء قد يؤرقني كنت أفضي به لأبي أو أمي ليقوما بحله نيابة عني، جلست مقلدا أبي الذي كان يقضي الليالي الطوال جالسا متفكرا في حل للمشاكل التي قد تعترض مسار أسرته أو تهدد مستقبل أبنائه، ولكني تساءلت في نفسي أين إذن أكوب الشاي والقهوة التي تعدها أمي لأبي، أيمكن أن يكون السر في عدم وجود أفكار تؤرق رأسي الصغير لعدم شربي للشاي والقهوة، المهم أنني لم أستغرق الربع ساعة في جلستي الفكرية العميقة إلا وكنت غارقا في عالم الأحلام.
تذكرت الآن هذة الليلة وأنا لا أستطيع النوم من كثرة الأفكار التي أمست تؤرق رأسي باستمرار، هذا الرأس الذي أصبح لا يفتر عن التفكير، بل هو يحتاج إلى ما يشبه عسكري المرور لكي لا تصطدم أفكاره بعضها ببعض فتتشتت وتضيع بلا جدوى، لقد كبرت يا أبي وأصبحت أفكاري تزعجني ومسؤلياتي تقض مضجعي.
أصبحت أعرف معنى سهر الليالي الطوال بدون النطق بكلمة واحدة عما يجول في نفسي ويعتمل في صدري، أصبحت أدرك معنى ألا تجد من تشكو له همك لأنه لن يحك ظهرك إلا ظفرك، ولأنك لا تريد إزعاج أصدقائك بمشاكلك لأن كل شخص فيهم به ما يكفيه من مشكلات، إن لم يتداركك الله بصديق يدرك تغيرك رغم عدم تغير ملامحك.
تلك السنين التي باعدت بيني وبين تلك الليلة الصيفية السعيدة الجميلة، باعدت بيني وبين خلو البال وتحاول أن تباعد بينننا وبين براءة النفس، تلك البراءة التي تتكالب علينا الأحداث والظروف لتحاول نهشها من بين أضلعنا، إلا إننا لا مفر لنا إلا الاستماتة في الدفاع عنها، لأن الأفضل لنا أن نموت إن فقدناها.
لقد كبرت يا أبي وعلمت أن بهذة الدنيا ظلم تجرعنا مرارته على يد طغاة ساموا شعوبهم سوء العذاب، وعلمت أن أمتي رهينة في أيدي مثل هؤلاء الطغاة، يزجون بأبنائها في السجون والقبور، ويرمون شعوبها بالبراميل المتفجرة والأغذية الفاسدة والإعلام الفاجر، علمت أن المرابطة على ثغور المرؤة والشهامة قد تكلف المرء حياته أو حريته، ولكن هل تتبقى أدنى قيمة لحياة بدون مرؤة وشهامة، وهل يعد الحر حرا فعلا لو تخلى عنهما!!!.
لقد كبرت يا أبي وأصبحت أفكر وليتني ما فعلت.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس