جلال سلمي - خاص ترك برس
بعد تجنبه التصريحات الخاصة بمدينة منبج السورية لبرهة من الزمن، عاد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ليتوعد وحدات الحماية الكردية "يي بي غي" بعملياتٍ عسكريةٍ شرسةٍ تستهدف تواجدها في محيط منبج وداخلها.
أتت تصريحات أردوغان عقب استهداف القوات التركية لمواقع تابعة لوحدات الحماية الكردية، الأربعاء 26 نيسان/ أبريل، واستمرار المناوشات بين الطرفين حتى انتشار القوات الأمريكية على الحدود التركية السورية، السبت 29 نيسان/ أبريل.
لقد سبق الاستهداف التركي لعناصر حزب العمال الكردستاني في العراق، ووحدات الحماية الكردية في سوريا، الجولة الخارجية الأولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد عملية الاستفتاء، والتي تشمل عدة دول كبرى، على رأسها روسيا والولايات المتحدة. فالملموس من ذلك، هو أن الرسالة التركية من تلك التحركات هي للدولتين الأكثر نفوذًا سياسيًا في المنطقة. رسالةٌ تفيد بأن تجاهل الحساسية التركية سيزيد من شعلة الصراع الدائر في المنطقة، فهل تستطيع فعلًا تركيا فرض سيطرتها على منبج، بما يغيّر المعادلة في سوريا؟
اتباعًا لمقولة "خير الكلام ما قل ودل"، الإجابة على السؤال المطروح أعلاه هي "لا". لكن لماذا؟
حتى لو تواجدت الإرادة السياسية التركية الحقيقية في تحدي تواجد القوات الأمريكية والروسية، ولا أعتقد أنها هناك إرادة سياسية تركية لفعل ذلك، فإن القدرات العسكرية والإعلامية والحقوقية التعبوية لتركيا لا تفي بالغرض في دعم أي عملية عسكرية تركية تصطدم مع قوات النظام السوري ووحدات الحماية الكردية. فنحو تركيا هذا النحو، سيعرضها لتعطيل روسي مباشر أو غير مباشر لتحركها، كما حدث سابقًا في استهدافها جنود أتراك في الباب، وكذلك مواجهة عسكرية غير مباشرة وإعلامية وحقوقية مباشرة مع الولايات المتحدة التي لن تقبل، قطعًا، تحدي تركيا لها، وهو ما قد تواجهه عبر تحريك وحدات الحماية الكردية ضدها، ورفع وتيرة الهجمات الإعلامية والحقوقية ضدها. وهل تركيا، التي استجدت موافقة الطرفين على بدء عملية "درع الفرات"، تستطيع صد هذه الهجمات؟
يجب أن نبقى على يقين بأن أردوغان لا يغفل، إطلاقًا، حينما يصدر مثل هذه التصريحات، أن استهداف تركيا لقوات النظام السوري الذي لا زال يتمتع بالشرعية الدولية، بشكلٍ منفرد ومن دون إجماع دولي، يُعرضها لهجمات دبلوماسية وقانونية هي ليست بقدرة على مواجهتها.
أنا لا أرمي، إطلاقًا، إلى استهداف تركيا والتقليل من أهميتها، ولكن لا بد من التمتع بالواقعية العقلانية التي تأخذ بنا نحو الاعتراف بأن تركيا دولة إقليمية لا تقدر على التحرك من دون تنسيق تحركاتها مع الدول الكبرى.
وفي ضوء هذا الطرح، نستطيع الإشارة إلى أن العملية التركية من الممكن أن تكون في مناطق بعيدة عن منبج. مناطق تخلو من تحدي لجميع القوى الفاعلة في سوريا. وربما تكون هذه المناطق تل الأبيض ومحيطها. فتلك المِنطقة "العربية" خاضعة لسيطرة وحدات الحماية الكردية، وقد تتذرع بعض العشائر العربية، التي تم تأسيسها، بحسب مصادر مطلعة، من قبل تركيا قوة باسم "تجمع عشائر الشرقية" أو "تجمع درع الشرقية" في 19 نيسان/ أبريل المنصرم، بحقها في تحريرها، وتتجه نحو التحرك في ذلك انطلاقًا من الأراضي التركية أو من أراضٍ سوريةٍ تخضع لسيطرة تركية، وتدعم تركيا ذلك التحرك بشكلٍ غير مباشر، أي من خلال سياسة التغاضي وتقديم الدعم اللوجستي الاستخباراتي الذي لا ينسق مع الولايات المتحدة، ويتجنب الاصطدام بها.
وعلى صعيدٍ آخر، هناك مشاورات تركية أمريكية حول إجراء عملية عسكرية تنطلق من تل أبيض وتتجه نحو الرقة عبر فتح ممر بطول 80 كيومتر، وينذر ذلك باحتمال انطلاق عملية عسكرية تركية من تل أبيض نحو الرقة وما بعدها بالتنسيق مع الولايات المتحدة، واستهداف تركيا لوحدات الحماية الكردية كان بمثابة رسالة تخاطب الولايات المتحدة لتعجيل ذلك التنسيق.
وفي الحالتين، يُلاحظ أن تركيا تريد القيام بعملية عسكرية بعيدًا عن تحدي أي من القوى الفاعلة في سوريا، وبالأخص الولايات المتحدة.
في حين أن التطورات الداخلية التركي الحالية لا تحتاج لمثل هذه التصريحات المستعرة بالحماس، فإن الرسالة تصبح موجهة إلى الخارج، وخاصة للولايات المتحدة. رسالةٌ مفادها: "نحن دولةٌ قومية لها مصالحها الاستراتيجية، وإن استمهلتم نفسكم ألا تتعاونوا معنا، مخافة فقدان السيطرة على ميليشيات "إرهابية" تتحالفون معها على حساب مصالحنا الاستراتيجية المشتركة، فإننا سنتبع سياسة إما الضرب من أسفل الجدران، أي استهداف تلك القوات عبر حرب الوكالة، أو سياسة الاستهداف المباشر الجزئي."
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس