منذر فؤاد - خاص ترك برس
كم من القهر نحتاج حتى نصنع الفرح في عالم يسوده الطغيان؟ وكم من الصبر نحتاج لنعيش لحظة الفرج؟ وكم من الوقت نحتاج حتى يصبح الوطن حق للشعب لا تابع للحاكم؟ بل كم نحتاج من الأجوبة لأسئلة فرضت علينا دون سابق إنذار في أرض مستعمرة من قبل وكلاء الاستعمار؟
منفيون في هذا الوطن الذي نعتز به مهما كان قاسياً، حتى ولو لم ننل حق الانتماء الفعلي إليه، لأن من يحكمه لديه أطماع تتسع إلى ما بعد حدود الوطن، وأبعد من نسله من بعده، وطن استباحه الحاكم وضمه إلى أملاكه، وأي وطن هذا الذي يخضع لنقاط التفتيش وتدنسه أحذية وكلاء المستعمر يومياً؟ وأي وطن هذا الذي يشجعنا على الهجرة منه إلى أصقاع الدنيا؟ وأي وطن هذا الذي تسكنه بالإيجار، وتدفن فيه مقابل مال تدفعه لخزانة الحاكم "وكيل المستعمر الخارجي".
الوطن سجن كبير تتفرع منه سجون صغيرة، أصغرها ملاصق لعقر دار الرئاسة، وأكبرها يصل إلى حدود الدول المجاورة، سجن لا يفرق بين جريمة السرقة و"جريمة الكتابة"، لا يفرق بين رجل العصابة ورجل الخطابة، إنه سجن كبير لطغاة نبغضهم بحجم المديح الذي ينالهم في نشرة أخبار التلفزيون الرسمي إذ تتغنى بهم من مطلع الفجر، وحتى طلوع القمر، فهم ولا شيء سواهم، حتى تراب الأرض أضحى إنجازاً يحسب للزعيم الملهم، الذي لم يترك بيتاً في أرض الوطن، إلا ووصلها بخيره وخيراته، فأشبعهم جوعاً وأغناهم فقراً.
يقتلون الشعب دفاعاً عن الوطن الذي قيدوه في عقولهم المتحجرة، ويدمرون الوطن المغتصب خدمة لنزوة الحاكم نفسه، ويستخدمون الوطن الأرض خدمة لعقولهم الصغيرة التي تتربع فيها صبيانية مفرطة، لا تعرف سوى المال ولم تتعلم سوى ثقافة التنازل عن الأرض في إطار البيع الذي أحله الله كما يعتقدون، مثلما حدث في كامب ديفيد ووادي عربة والتنازل عن الجولان المحتل طمعاً في سلام مع محتل ومغتصب، سلام يذل ولا يُعتزُّ به، سلام ليس إلا سراب وبقايا خراب، ثم أي سلام هذا حينما يكون ثمنه قطعة من الأرض والتراب تحمل جينات الأجداد وتجاعيد الآباء وملامح الأجيال القادمة؟ ومنذ متى كان التنازل عن أرض الوطن شرط رئيسي ليتحقق السلام المزعوم أيضاً؟
صورة منزل تحول إلى ركام، ورضيع في المهد منح روحه للسماء، وصراخ ثكلى في آخر ساعات الغسق أصابها صوت مدفع الجندي الذي يحرس الوطن على حدود بيت المقدس "من جهة الجولان أو طور سيناء" أحق أن تمنح شهادة الانتماء الفعلي للوطن، في زمن الوطنية التي أصبحت مجرد بطائق تباع في أرصفة الشوارع وواجهات الأكشاك والمكتبات، أو تمنح كبطاقة عضوية ليس إلا.
الوطن الذي تحكمه عصابة، وتتحكم بخيراته كأملاك شخصية، وتمنح صكوك الوطنية لمن تشاء، وتخوّن من اختلف معها، هذا ليس وطناً إنه وكر ليس إلا، قابل لأن يصبح ملك للجميع، عندما يتوقف الجمهور عن التصفيق، والصحف عن كيل المديح ورفع آيات التهاني والتبريكات عند كل مناسبة، وعندما لا يتصدر اسم الزعيم الملهم صفحات الجرائد وصوره مداخل الأسواق، والحمامات العامة، حينئذ يمكن القول أن الوطن يتسع للجميع.
لا تحاول أن ترفع صوتك في وجه الظلم إلا إذا كنت مستعداً لأن تصبح منفياً خارج وطن الحاكم وهذا يبدو أكثر أماناً، أو مخفياً في ضيافة سلطات الدولة، وأقبيتها التي لا تليق بالفئران، خياران لا ثالث لهما سوى الانحياز لصف "وطن الحاكم"، إما مصفقاً وثرثاراً أو محايداً آثر الصمت، ورضي أن يعيش مهاناً حتى يأتيه عزرائيل عليه السلام ليأخذ روحه إلى وطن آخر لا يملكه الحاكم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس