أيلين أوني تان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

استخلاص عطر الورد هو مشروع كثيف العمالة. يجب قطف مليوني وردة لإنتاج كيلوغرام واحد من الزيت العطري. مع حلول فصل الربيع في وقت متأخر في تركيا والبلقان من هذا العام، تولي صناعة العطور في جميع أنحاء العالم اهتماما كبيرا بحقول الورد بولاية إسبارطة جنوب غرب تركيا، حيث توقف حصاد الورد من منتصف أيار/ مايو إلى منتصف حزيران/ يونيو، بسبب تساقط الأمطار الغزيرة. إسبارطة هي المنطقة الأولى في زراعة الورد في العالم، وتنتج إما يقرب من أكثر من نصف زيت الورد في العالم، تليها مدينة كازانلاك البلغارية.

أما الوردة التركية الأكثر استخداما في صناعة العطور فهي روزا داماسينا (الوردة الدمشقية)، وقد اشتق اسمها من اسم مدينة دمشق حين كانت ولاية عثمانية. وفي أعقاب الهجرة الأخيرة لثلاثة ملايين لاجئًا سوريًا إلى تركيا، عهد إلى العمال السوريين في المقام الأول بالتقاط وردة دمشق العطرة.

قد تكون إسبارطة واحدة من أقل المدن التركية من حيث عدد اللاجئين الذين فروا من الحرب الأهلية في بلادهم. وقد وجد هؤلاء الفرصة للإحساس بالوطن أو شم عبيره. وعلى الرغم من أنهم يغرسون البذور في أرض أجنبية، حتى لو كان ذلك مؤقتا، فربما يجد بعضهم بعض السلوى والعزاء في زيوت الورود.

ومقارنة بكثير من العمال المتجولين الآخرين الذين يعملون في حقول الأناضول، فإن قاطفي الورود محظوظون نسبيا، حيث إن العديد من مصنعي الزيوت الوردية في إسبارطة يلتزمون بقواعد العمل العادل في الزراعة. يمتثل كثير من أصحاب العلامات التجارية لمستحضرات التجميل لهذه المعايير. وقال نوري إرجيتين، وهو واحد من أهم منتجي الزيوت العطرية للمونيتور إن شركته تمتلك شهادة "العدل من أجل الحياة"، وتضمن ظروف عمل عادلة وكريمة، ومساواة في الأجور بين الرجل والمرأة، والمسؤولية الاجتماعية والبيئية، وتلتزم بعدم تشغيل الأطفال.

ولإثبات المثل التركي القائل "من يحب الورد عليه أن يتحمل شوكه" يبدأ قاطفو الورد عملهم مع بزوغ الفجر، وينتهي العمل بوضعه في ماكينات التقطير قبل أن تشتد حرارة الشمس. من الناحية الاقتصادية فإن دخول الورد في العديد من الاستخدامات، من مستحضرات التجميل إلى الطهو، يجعله يستحق هذا الاهتمام الكبير.

الورد ضروري لصناعة العطور. وقد كتب فيدات أوزان، خبير العطور أربعة كتب عن العطر. وقال أوزان لـ"المونيتور" إن الورد ضروري في صناعة العطور، لا بسبب رائحته المميزة والمختلفة عموما، بل أيضا بسبب خصائصه المحسنة عند استخدامه مع مكونات أخرى مختلفة في تركيبات العطور.

وقال أوزان: "على الرغم من أن المواد الخام الجديدة والأرخص والأقل تكلفة كانت مفضلة في عالم العطور منذ الثورة الصناعية، فإن الورد لم يفقد شعبيته بين العطور على الرغم من ثمنه الباهظ". وأشار إلى أن معظم حقول الورد فى إسبارطة تؤجر قبل عام من الحصاد من قبل شركات العطور الدولية مثل الشركة الفرنسية لصناعة العطور روبرتي، وشركة وفاكفورس آند فراغرانس إنترناشيونال ومقرها نيويورك، بالإضافة إلى كبار منتجي زيت الورد التركي.

كان العثمانيون من أشد المعجبين بالورد. وكانت الورود موضوعا محببا في الأدب، وغالبا ما يشار إليها في القصائد، والترانيم والحكايات والأغاني، بالإضافة تصويرها في اللوحات، والمنمنمات، والتطريز والبلاط كرمز للأناقة والنقاء والحب. رفع العثمانيون من مكانة الورد فجعلوها ملكة الزهور، لا لعطرها الرائع فحسب، بل لطعمها الشهي إذا كان المطبخ العثماني يستخدم الورود ومياه الورد في طهي الطعام.

وتؤكد ماري بريسيلا إيشين، الخبيرة في الحلويات العثمانية، على أهمية الصفات العطرية في المطبخ العثماني. وقالت لـ "المونيتور": "كان العطر مهما في نكهة المطبخ العثماني، وكانت الورود من أفضل المكونات المحببة في الحلويات العثمانية. كانت المربى تصنع من الأوراق التويجية للزهرة، في حين يستخدم ماء الورد وزيت الورد لنكهة الحلويات من جميع الأنواع، بما في ذلك  حلوى روح الحلقوم التركية. وشملت طقوس الضيافة تقديم مربى الزهور للضيوف ورش أيديهم بمياه الورد. "

يعرض كتاب إيشين "الشربات والتوابل: القصة الكاملة  للحلويات التركية" للثقافة العثمانية والمجتمع من خلال عدسة الحلويات. وعلى الرغم من أن الكتاب موجه  للباحثين، فإنه يتضمن عددا قليلا من الوصفات الأصيلة للقارئ، والتي تتطلب إضافة ماء الورد.

بالنسبة إلى العثمانيين، تمتد أهمية الوردة إلى أبعد من المطبخ، إذا كان يتغنى بها لخصائصها العلاجية، وخاصة كمحسن الذاكرة ومضاد قوي للاكتئاب. ترجع أصول الطب العثماني إلى أبقراط وجالينوس، فضلا عن أعمال ابن سينا، العالم الفارسي الموسوعي والطبيب المسلم والخبير الطبي المعروف في الغرب باسم أفيسينا.

استند الطب العثماني إلى مذهب الأخلاط ،على غرار المفهوم الهندي للنظام الغذائي المعروف باسم أيورفيدا، وفيه يأكل الفرد طعاما له خصائص معينة، وفقا لنوع الجسم، والمزاج، والحالة الصحية أو الوقت من السنة. وبالتالي فإن من أهم ملامح مطبخ القصر الربط المباشر بين الأكل والصحة.

كان يُعتقد أن الورود تجلب العبير والعطور التي تؤثر في المزاج، وأن لها دورا أساسيا في نقل نكهتها الدقيقة في الغذاء. وللورود خصائص "باردة"، ومن ثم فهي تعطي شعورا فوريا بالراحة وتبريد المزاج الحار. أعطى ابن سينا أهمية كبيرة للخصائص العلاجية للورود، وقال إنها تعالج الروح بعطرها الرائع، وهي مفيدة ضد الإغماء، ويمكن أن تهدئ من سرعة ضربات القلب. كما اعتقد انها تحسن قوة الدماغ المعرفية، وتحسن الفهم، وتقوي الذاكرة.

تقول أيتن ألتينتاش، الخبيرة في تاريخ الطب العثماني، في كتابها "القواعد الصحية للأطباء العثمانيين" كان في مستشفيات الأمراض العقلية العثمانية من يعهد إليهم برش ماء الورد على المرضى لتخفيف نوبات الغضب. وكان زيت الورد ينثر على صفحات القرآن الكريم لتقوية الحفظ.

وسواء استخدم الورد لتقوية الإيمان أو تحسين الصحة، فإن الورود الرقيقة لها صلات ثقافية دقيقة تمس حياة الناس، سواء أكانوا بلغاريين أم أتراكا أم سوريين، وكلهم يكدحون من أجل الحصول على قطرة من روح الورد.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس