علي حسين باكير - عربي 21
بضعة أيام تفصلنا فقط عن الموعد النهائي للمفاوضات الأمريكية - الإيرانية حول البرنامج النووي لنظام الملالي، والساعات الأخيرة في مثل هذه الاستحقاقات عادة ما تكون الأصعب على الإطلاق، إذ يبذل كل طرف مافي وسعه لتميل الكفة إلى صالحه، وغالباً ما تكون هذه الساعات مصحوبة بنوع من التصريحات المتضاربة حول مصير المفاوضات، وما يمكن التوصل إليه في ختامها.
إدارة الرئيس أوباما تسعى جاهدة وبشكل جاد إلى اتفاق مع الجانب الإيراني (يقول البعض مهما كلف الأمر وكيفما اتفق)؛ ليكون الإنجاز الذي من الممكن له أن يغطي على كل سنوات الفشل الذريع للرئيس الأمريكي في سياساته الخارجية، ولاسيما سياساته الفوضوية في الشرق الأوسط. إذا تم ذلك، فسيكون إنجازاً تاريخياً لم يسبقه إليه أحد، هذا ما يراهن عليه الرئيس الأمريكي، إنها الفرصة الأخيرة له قبل أن يرحل.
في المقابل، فإن الجانب الإيراني يريد التوصّل -على الأقل كما عبّر روحاني وطاقمه مرات عديدة- إلى اتفاق مع الجانب الأمريكي لينهي العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده، ويساعد على التحرر السياسي، ولكنّ المشكلة في إيران دوماً تكمن في أن النظام السياسي فيها كالأفعى المتعددة الرؤوس، وأقوى هذه الرؤوس على الإطلاق رأس المرشد ومعه الحرس الثوري، وهم يدركون أن أي اتفاق شامل من شأنه أن يؤدي إلى انهيار نظامهم، لذلك فالمصلحة تكمن في التوصل إلى اتفاقات جزئية تتيح لهم تنفس الصعداء قبل معاودة الكرّة من جديد، وهذا بالتحديد دور الرئيس روحاني الذراع الأيمن لخامنئي.
ضمن هذه المعطيات والحسابات، يشدد كثيرون على أنّ نسبة التوصل إلى اتفاق بين الطرفين تبلغ الآن 50%، وهذا معناه أن فرصة النجاح في التوصل إلى صفقة بين واشنطن وطهران تحمل معها النسبة ذاتها من إمكانية الفشل وبينهما التمديد خوفاً من الفشل.
الجميع تحدث بما فيه الكفاية عن التداعيات السلبية للصفقة بين الطرفين على المنطقة برمتها وعلى الدول العربية، لكن السؤال الافتراضي هنا، ماذا إذا فشلت المفاوضات؟ كيف سيكون موقفنا وماذا يجب علينا أن نفعل؟ في الحقيقة، إن تحقق سيناريو فشل المفاوضات، فإنه سيكون بمنزلة فرصة ثمينة جداً لنا لإعادة الصاع صاعين إلى طهران وحلفائها في المنطقة، سيكون فرصة ذهبية لا تعوّض ويجب ألا تهدر؛ لأنها قد لا تتكرر بالظروف ذاتها لاحقاً.
وفي هذا السياق، من المهم جداً التركيز على تطوير ست خطوات لاستخدمها ضد طهران حال فشل المفاوضات، وهي:
1) تحميل إيران مسؤولية الفشل: الساحة الأمريكية قد تكون مستعدة لإلقاء اللوم على أوباما، أما الصقور فسيكون موقفهم أشبه بمن يشمت به "قلنا لك إنّهم يراوغون ويكسبون الوقت فقط، وهذا ما فعلوه بفضلك"! ولأن الجمهوريين يسيطرون على الكونغرس ولأنهم أصيبوا بغضب عارم جراء معرفتهم بالرسالة السرية من أوباما للخامنئي مؤخراً، فإنهم سيكونون مستعدين للانتقام من أوباما ومن إيران.
في مثل هذه الظروف سيكون من المناسب جداً تحميل إيران المسؤولية الكاملة عن الفشل، وستكون البيئة الإعلامية الأمريكية مستعدة للترويج لمثل هذه الحقيقة، وعليه من المهم استغلال هذا الحدث وإغراق الإعلام الأمريكي والأماكن المهمة بمقالات ومقابلات وتقارير من وجهة نظر عربية، حول دور إيران التخريبي في العالم العربي وحول حقيقة أن إيران كدولة، صانعة وراعية وداعمة وممولة وموظفة للجماعات الإرهابية في العالم، وأنه لا يمكن القضاء على الإرهاب من خلال التعاون معها؛ إذ لا يمكن حل مشكلة تعتبر هي السبب الرئيسي في خلقها، وقد أثبتت تجربة الصفقة الأمريكية-الإيرانية في العراق خلال السنوات الماضية صحة ذلك.
تحقيق هذه الخطوة ليس بالأمر المستحيل، يكفي مراجعة التقارير والمقالات والمقابلات التي جرت خلال الشهر الأخير في الولايات المتحدة في الأماكن المشهورة، لإدراك مدى الجهد الذي بذله اللوبي الإيراني في واشنطن وكذلك فريق أوباما للترويج لإمكانية عقد الصفقة ولمحاسنها. من الممكن الآن عكس الآية، سيكون هناك الصقور وسيكون هناك الجانب المناوئ لإيران، وبالتالي فإن العمل على تعبئة الراي العام ضد إيران سيكون ممكناً جداً.
2) المشاركة في إقرار أقوى حزمة ممكنة من العقوبات: سيكون الرأي العام مستعداً ومهيئاً لاتخاذ تدابير حازمة ضد إيران، وأولها فرض حزمة قاسية جداً من العقوبات تقصم ظهر النظام الإيراني وتخنقه اقتصادياً بشكل تام. سيكون من السهل نسبياً إقرار مثل هذه العقوبات، ويمكن للمجموعة العربية التي تقودها السعودية بالإضافة إلى قوى إقليمية ودولية (تركيا وفرنسا)، تقديم تصور متكامل يكون لهم فيه دور أساسي في المساهمة في تشديد العقويات على إيران، وبذلك يجبرون الطرف الأمريكي على تعاون وتنسيق أكبر معهم، وسيكون من الصعب مواجهة مثل هذا التكتل خاصة إذا بقيت أسعار النفط منخفضة، الأمر الذي سيؤذي روسيا أيضاً.
3) الضغط في سوريا لإجبار أوباما على تغيير سياساته: أوباما ليس رئيساً إيدلولوجياً، وهذا يعني أنه من الممكن دفعه إلى تغيير موقفه، خاصة أنه سيكون قد فقد أمله الأخير في التوصل إلى اتفاق مع الجاب الإيراني. لن يكون من المستحيل الضغط عليه إذا فشل في مفاوضاته مع إيران، إذ لن يكون أمامه العديد من الخيارات.
صحيح أنّه قد أثبت دائماً أنه جبان ومتردد، لكنه يولي أهمية كبيرة لميزان الربح والخسارة في أي معادلة، ولذلك سيكون من المهم بمكان توسيع الهوة بين الموقف الأمريكي والإيراني، في حال فشل المفاوضات واختبار ذلك في سوريا. فأحد أسباب تفادي أوباما الإطاحة بالأسد، هو تجنّب إفشال المفاوضات مع إيران. أمّا إذا فشلت، فكل شيء سيكون ممكناً حينها، ولكن هذا سيتطلب أن تعمل الدول المجمعة على الإطاحة بالأسد على توحيد أجندتها مرة واحدة وأخيرة (نواة هذه الدول السعودية وتركيا وقطر وفرنسا)، والذهاب بها باتجاه الضغط على أمريكا لتحقيق المنطقة الآمنة، والحظر الجوي وتسليح المعارضة المعتدلة بأسلحة نوعية.
سيكون من الصعب على طهران أن تقاوم لفترة طويلة في سوريا في هذه الوضعية، خاصة إذا ترافق ذلك مع تشديد للعقوبات وسعر منخفص للنفط. الموقف الروسي لن يكون أيضاً بالصلابة نفسها التي كان عليها سابقاً، ولذلك فمن المحبذ محاولة استهداف موسكو بمبادرات سياسية أو إغراءات اقتصادية مرة أخرى لتحييدها على الأقل.
4) ربط الإرهاب بالأسد وإيران من جديد: الإعداد لطرح متكامل للتعامل مع الإرهاب، وعرضه مقترناً بخطة الإطاحة بالنظام السوري، وقوام هذا الطرح أن التطرف لا يمكن مواجهته إلا من السنّة، وأن تحقيق ذلك يتطلب حصول السنّة على حقوقهم المشروعة في العراق وسوريا، وأن أي سياسة مختلفة عن ذلك (كالاستعانة بالأقليات الشيعية أو عقد اتفاق مع إيران أو الإبقاء على الأسد وسياسة التهميش في العراق)، ستؤدي فقط إلى زيادة الإرهاب ولن يكون باستطاعة أحد السيطرة عليه لاحقاً.
بذلك يكون قد تم جمع الإرهاب مع الأسد وهي النقطة الأساسية التي يجب التذكير بها على الدوام، فإرهاب الجماعات هو نتيجة لإرهاب الأسد، ومن غير الممكن القضاء عليها من دون القضاء على الأسباب التي أدت إلى ولادتها في المقام الأول.
5) استهداف أذرع إيران الإقليمية: سيكون من الضرورة بمكان وفي موازاة الخطوات أعلاه استهداف أذرع إيران الإقليمية؛ كحزب الله والحوثي والميليشيات العراقية على سبيل المثال. فالعقوبات على إيران ومحاولة الإطاحة بالأسد والضغط على أذرع طهران، سيجعل النظام الإيراني تحت ضغط كبير وسيكون في موقع استنزاف لا يستطيع تحمله، ولن يكون قادراً على مساندة أذرعه بالشكل الذي كان سابقاً.
من المهم أن يتم التركيز على هذه الخطوات ضد النظام الإيراني بالتوازي لمنع تهربه أو تفلّته منها. ولاستهداف حزب الله مثلاً، سيكون من المفيد محاولة التواصل مع مجموعات انحرفت عن الطريق الأساسي للثورة السورية، لإعادتها إلى الطريق الصحيح وتجنيبها إمكانية التعرض لضرب، وتوظيفها من جديد في مواجهة الأسد والمرتزقة الشيعة. المواجهات في القلمون على سبيل المثال استنزفت حزب الله بشكل ممتاز. وتوسيع هذا النموذج وعقلنته سيؤدي إلى نتائج مبهرة.
من المهم أيضاً منع أعضاء أو أنصار أو المتعاطفين مع إيران وحزب الله من القيام بأية تحويلات مالية كالخُمس أو المساعدات المالية إليهما، لاسيما من دول الخليج العربي ومن أوروبا وأمريكا. من الممكن متابعة هذا الموضوع كما يتم الآن ضد جماعات راديكالية مسلّحة غير محسوبة على النظام الإيراني. كما من الممكن التحرك ضد أذرع إيران الإرهابية باستخدام الأدوات الدولية المتاحة لملاحقة هذه الجماعات كالقرارات الدولية 2170 و 2178.
6) احم ظهرك: خلال التقدم إلى الأمام ضد إيران سيكون من الخطورة بمكان ترك ظهرك مفتوحاً للعدو. لا بد من تحرك موازٍ ضد جماعة الحوثي إذا لم تستجب للإنذارات أو الضغوطات بالتراجع والاندماج في العمل السياسي الوطني، وسيكون هناك حاجة إلى الانفتاح على خصوم الحوثي سياسياً، والاستعداد لتوجيه ضربات عسكرية حتى لجماعة أنصار الله.
من العبث محاربة الإرهاب والتطرف فيما يتم إغلاق المجال أمام الإسلام المعتدل للتعبير عن نفسه، ويجري محاربته بغلو غير مبرر. هناك فسحة دوماً للعقلاء للتفاهم بخصوص مثل هذه المشكلات، ومن الممكن تفادي الخلافات والاستنزاف الذاتي عبر مساومات ثنائية ومتعددة الأطراف.
الشعور بالخوف من هذا الانفتاح أو من تبنيه لا يفيد، وإنما يعكس حالة من الضعف يجب التغلب عليها وتجاوزها لصالح الأولويات ومواجهة التحديات الكبرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس