مراد سوفو أوغلو - تي آر تي الدولية - ترجمة وتحرير ترك برس
صدمة إلى الأبد
شهد الشيخ عبد الحق، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 75 عاما، حملة الهدم بأكملها. أجرى الدكتور حسن جونيش مقابلة مع عبد الحق في عام 2012 لمعرفة ما حدث في تلك الليلة عندما بدأت إسرائيل إزالة المنطقة. وبعد تدمير منزله اضطر عبد الحق للتنقل من بيت إلى آخر، في جولة بعد أخرى من عمليات الهدم.
وقال الدكتور جونيش: "أُجبر عبد الحق على الخروج من خمسة منازل في مواقع مختلفة في القدس هدمتها جميعا السلطات الإسرائيلية. كما فقد معظم الوثائق القانونية المتعلقة بالحي المدمر أثناء تحركاته".
عندما التقى الدكتور جونيش الشيخ عبد الحق كان يعيش في شقة صغيرة من غرفتين،على بعد دقائق من الموقع الإسلامي المقدس المعروف باسم الحرم الشريف، الذي يسميه اليهود جبل الهيكل، وما يزال تحت سيطرة الأوقاف. كانت هناك كاميرات مثبتة خارج المنزل، مما يعطي انطباعا بأن هذا الشيخ العجوز تحت رقابة الحكومة الإسرائيلية، كما يقول جونيش.
كان منزل عبد الحق صغيرا للغاية، لدرجة أنه كان يخلو من أي خزانة تضم أوراقه. قال جونيش: "كانت جميع الوثائق مكدسة عشوائيا في إحدى زوايا غرفته".
كان التعب والإرهاق واضحا على عبد الحق عندما التقاه جونيش لأول مرة،ولكن عندما بدآ يتجاذبان الحديث،أعجب جونيش بتفانيه الشديد في قضية استعادة حقوق من عاشوا ذات يوم في حي المغاربة.
حاول عبد الحق عدة مرات عرض القضية على المحاكم الإسرائيلية، ولكن لم يحقق أي نجاح. وقال جونيش: "عندما تجول عبد الحق حول حيه القديم، استرجع كل الأحداث السيئة. يرى في كل يوم مشاهد الدمار، وكيف اضطرت عائلته للخروج من الحي ... وشاهد تدمير تراثهم الثقافي".
الغرور الإسرائيلي
بيد أنه بالنسبة إلى الإسرائيليين الذين هدموا الحي بأكمله بجرافاتهم، فقد كانت تلك لحظة تدعو للفخر. وهم يعتقدون أن ما فعلوه كان أمرا صائبا وعلى حق، حتى بعد مرور خمسين عاما.
وذكر مقال نشرته صحيفة هآرتس اليسارية نشر في يونيو/ حزيران، أن الحكومة الإسرائيلية أرسلت 15 متعهدا لتدمير المنازل في تلك الليلة المشؤومة. وقد أجرت الصحيفة أخيرا مقابلات مع بعض المتعهدين لمعرفة "كيف حولت مجموعة صغيرة من الإسرائيليين الحائط الغربي إلى حائط يهودي مرة أخرى".
وقال ساسون ليفي، أحد المقاولين الذين شاركوا في عملية الهدم للصحيفة، عند سؤاله عن شعوره وهو يدمر مبانٍ تاريخية: "كان ذلك مبهجا ويدعو إلى السرور".
وتقول زهافا فوكس، ابنة يوسف شفارتس أحد المتعهدين في هدم المنازل إن أباها الراحل شعر بالفخر لهدم المنازل، وأحس أنه "يؤدي مهمة كبرى للشعب اليهودي".
وكتب محرر المقال في هآرتس إنه "لا توجد وثائق مكتوبة تتعلق بالقرار، باستثناء خريطة مرسومة باليد على قطعة من الورق تميز حدود المنطقة المراد هدمها".
وأيا كان من أعطى الأمر بالهدم، فإن من أشرف عمليا عليها كان "تيدي كوليك" الذي كان عمدة القدس الغربية في الفترة من 1965 إلى 1967، ثم عمدة القدس "الموحدة" حتى عام 1993.
وعلى الرغم من أن كثيرين يرون كوليك الوجه الأكثر ليبرالية للصهيونية، فإن يقول عن هدم الحي: "كان هذا أعظم ما يمكن أن نفعله، ومن الجيد أننا فعلنا ذلك على الفور".
لم تقتصر حملات الهدم الإسرائيلية على الممتلكات العثمانية، حيث إن مقر الكنيست الإسرائيلي ومقر رئيس البلاد ورئيس الحكومة كانت جميعا ملكا في السابق للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية فى القدس.
باب جديد يفتح
على أن هناك بعض الحالات التي أعادت فيها الحكومة الإسرائيلية الأراضي إلى أصحابها. فعلى سبيل المثال، وخلال الحقبة السوفيتية، اشترت إسرائيل الممتلكات التي كانت تخص ممتلكات الكنيسة الأرثوذكسية الروسية من حكومة خروشوف الشيوعية مقابل البرتقال.
لكن منذ عام 2005، فند الروس مشروعية تلك الصفقة. وعقب الزيارة الأولى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقدس، قامت الحكومة الروسية بمحاولة قانونية ودبلوماسية لاستعادة كنيسة القديس سرجيوس وأراضيها التي بنيت عليها حاليا مكاتب لوزارة الزراعة الإسرائيلية والوكالات الحكومية الأخرى. وفي عام 2010 وافقت إسرائيل على إعادة الممتلكات إلى الروس.
فتحت موافقة الحكومة الإسرائيلية على إعادة الممتلكات الروسية، الباب أمام الآخرين لاستعادة ممتلكاتهم، وهو احتمال لا يكاد يسعد كثيرا من السياسيين الإسرائيليين سعداء به.
وقال نير بركات، أحد المرشحين لتولي منصب عمدة القدس في عام 2008، "أعتقد أن هذه الخطوة تمثل سابقة خطيرة لنقل الممتلكات في قلب القدس، وهي تنتهك مصلحة المدينة؛لأن هذه ليست الممتلكات الوحيدة التي تتنازع عليها مصادر أجنبية".
من الممكن أن تكون تركيا التي خلفت الإمبراطورية العثمانية، من بين هذه المصادر التي تحدث عنها نير بركات. ولكن الأمر لن يكون سهلا.
يقول الدكتور جونيش: "عندما طرحتُ قضية هذه الممتلكات وقضايا الأوقاف العثمانية في القدس، وفي فلسطين عموما، قال كثير من الناس إنه لا يمكننا الحصول على أي نتائج قانونية ملموسة في ظل نظام العدالة الإسرائيلي الحالي".
وأضاف: "لكني أقول لهم إن ذلك لا ينبغي أن يمنعنا من اتخاذ الاستعدادات القانونية والسياسية اللازمة. وعندما يكون لدينا ما يكفي من النفوذ والسلطة في الوقت المناسب، يمكننا المضي قدما وإثبات أحقيتنا على الصعيدين الوطني والدولي في استعادة ممتلكاتنا في الأرض المقدسة ".
وقال عدنان توزين، أحد كبار المسؤولين في المديرية العامة للأوقاف التركية، "نريد البدء بخطاب أكاديمي حول هذا الموضوع بالتحديد، مضيفا أن محو الممتلكات العثمانية من فلسطين محفور بعمق في الذاكرة المؤسسية التركية، وهذا أمر لن تنساه الحكومة التركية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس