مراد سوفو أوغلو - تي آر تي الدولية - ترجمة وتحرير ترك برس
ظل حي المغاربة الذي يرجع تاريخه إلى مئات السنين ينبض بالحياة في قلب القدس، حتى عام 1967 عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل والدول العربية، حين محا الجيش الإسرائيلي المنطقة بأكملها، وهدم المنازل والمحلات التجارية بالجرافات.
يقع الحي الذي أسس قبل ثمانمائة عام بجوار الحائط الغربي الذي يزعم أنه من بقايا معبد سليمان في القدس الشرقية. وقد سوت القوات الإسرائيلي الحي بالأرض دون رحمة، وحولت المنطقة بأكملها إلى جناح لصلاة للمصلين اليهود.
وعلى الرغم من أن العالم الغربي قد نسي حي المغاربة إلى حد كبير،فإن الفلسطينيين ما يزالون يذكرونه، كما أن تاريخ المنطقة يذكر جيدا تركيا التي تقع على بعد آلاف الكيلومترات من الحي.
في مطلع شهر مايو / أيار،ضيّفت الحكومة التركية مؤتمرا عالميا على مدى يومين للتذكير بدور الأوقاف العثمانية التي كانت تدير ممتلكات الإمبراطورية العثمانية. وكان حي المغاربة من بين ممتلكات الأوقاف العثمانية.
حضر المؤتمر رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، ومسؤولون كبار عن الحكومة الأردنية والمغربية إلى جانب يوسف بن أحمد العثيمين،الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى. وقد ندد جميع المتحدثين بإسرائيل لمحاولتها القضاء على الهوية العربية الإسلامية للقدس القديمة، وسائر فلسطين، في أعقاب حرب يونيو 1967.
وقد نظم هذا الحدث مكتب الرئاسة التركية.وقال الرئيس التركي،رجب طيب أردوغان في كلمته إن اأوقاف القدس الأصلية أسستها في عام 1552 حرم سلطان، زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني " سليمان العظيم،" ومنذ ذلك الحين كانت الأوقاف توزيع الطعام على الفقراء لعدة قرون.
ما يزال ما تبقى من أوقاف القدس يطل على المسجد الأقصى، وتديره الأردن رسميا اليوم.
وقال أردوغان للحاضرين إن "الوقف لعب دورا حاسما في الحفاظ على المسجد الأقصى وعلى مساجدنا الأخرى".
وتكثف الحكومة التركية خطابها المعارض لإسرائيل بسبب مصادرتها ممتلكات الوقف وتفكيكها بعد حرب عام 1967. وقال أردوغان "سنشارك سجلاتنا العثمانية مع إخوتنا الفلسطينيين".
كان توقيت المؤتمر قبل شهر واحد فقط من الذكرى السنوية لمرور خمسين عاما من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1967. وقد ركز المؤتمر على مناقشة سبل استعادة الممتلكات العثمانية المفقودة وتسليمها إلى ورثتها الحقيقيين. من الناحية القانونية،تعود ممتلكات الأوقاف إلى العثمانيين، لكنها في حيازة فلسطينيين.
قبل استيلاء القوات الإسرائيلية على الحائط الغربي ، كان حي المغاربة ينبض بالحياة والحركة بمئات من السكان الفلسطينيين. وبعد يومين من اقتحامه، أجبروا جميعا على مغادرة منازلهم في منتصف الليل.
ووصف قائد الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت، إسحق رابين، الاستيلاء على الحائط بانه "النصر العظيم".ثم زار وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه دايان، الحائط في 10 يونيو / حزيران 1967. وبرر أعمال الجيش الإسرائيلي بما جاء في الكتاب المقدس، وقال " لقد وحدنا القدس. عدنا إلى أقدس مقدساتنا، ولن نرحل عنها أبدا ، ولن تقسم القدس مرة ثانية".
لكن بعد ثلاثة عقود، عندما أصبح رابين،رئيس أركان الجيش،رئيسا للحكومة، بدأ عملية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقال إنه يحبذ انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض الأراضي الفلسطينية، وهو موقف أثار رد فعل عنيف من اليمين المتطرف.
وقع رابين اتفاقات أوسلو المشؤومة عام 1993،واغتاله بعدها بعامين يجآل عامير الناشط اليميني الإسرائيلي.وقد عارض اليمين المتطرف الاسرائيلي بشدة خطة رابين لتحرير الأراضي المحتلة. وكان بنيامين نتنياهو،رئيس الحكومة الحالي، جزءا من حركة معاداة رابين، في إطار التحول المتزايد للسياسة الإسرائيلية نحو اليمين.
ومع مقتل رابين، أخفقت عملية السلام،كما أخفقت الإرادة السياسية في إعادة الممتلكات الفلسطينية إلى الفلسطينيين.
والآن تأتي مبادرة تركيا لبدء حوار حول الأوقاف العثمانية، وحقوقها في الأرض والبناء في فلسطين المحتلة، في وقت يتولى الحكم في إسرائيل أكثر الحكومات يمينية في تاريخها.
الحق التركي في حي المغاربة
أطلق على الحي اسم حي المغاربة، أي القادمين من الغرب، نسبة إلى الجنود الذين قدموا من شمال أفريقيا وجنوب إسبانيا واستقروا هناك في أول الأمر. وقد كافأهم السلطان صلاح الدين الأيوبي على المشاركة في فتح القدس وفلسطين بأن أقطعهم بعض الأراضي والممتلكات الواقعة حول الحائط الغربي في القرن الثاني عشر.
ثم طور الحي الأفضل علي بن صلاح الدين. وأُعلن أن الحي ملك للوقف، وهو مؤسسة خيرية غير قابلة للانتقال بموجب الشريعة الإسلامية. وقد صممت مؤسسة الوقف من أجل الحفاظ على المناطق بشكل قانوني كمصلحة عامة في الشريعة الإسلامية، ومنع نقل الملكية أو بيعها لأحد.
وبعد حكم الأيوبيين، تعاقب على حكم القدس كثير من الدول الإسلامية، شملت المماليك،وأخيرا العثمانيين. وقد أبقت جميع هذه الممالك الإسلامية على وقف القدس. وقد خلصت لجنة أنشأتها في عام 1929 حكومة الاحتلال البريطاني ووافقت عليها عصبة الأمم، إلى أن الحي بأكمله، بما في ذلك الحائط الغربي، مملوك للوقف ذاته.
وقد أشار ياسر عرفات، مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها التاريخي، الذي قاد الوفد الفلسطيني خلال مفاوضات اتفاقيات أوسلو،مرارا إلى هذه اللجنة الدولية لإثبات مطالب الفلسطينيين التاريخية في القدس القديمة، بما في ذلك المنطقة المجاورة للحائط الغربي.
وقد عاش سكان حي المغاربة حياة هادئة لعدة قرون، حتى احتل البريطانيون فلسطين في عام 1917. وأوصى إعلان بلفور "بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين". ومع الاحتلال البريطاني، ازداد عدد اليهود الذين استوطنوا القدس، وبدأ وجودهم ينمو حول الحائط الغربي أيضا.
لم يمض وقت طويل حتى بدأت المحادثات السرية غير الرسمية حول التطلعات الصهيونية للسيطرة على الحائط الغربي، والمنطقة المجاور له والأخطر من ذلك السيطرة على حي المغاربة نفسه، بين السلطات البريطانية والقادة اليهود. وفي أواخر العشرينيات،اندلعت معارك عنيفة بين الفلسطينيين واليهود.
في عام 1948 ، أدت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى إلى تشكيل إسرائيل كدولة منفصلة في فلسطين. ولكن في هذه المرحلة، ظلت القدس الشرقية - بما فيها الحائط الغربي وحي المغاربة - تحت الحكم الأردني.
يقول حسن حسين جونيش،أستاذ التاريخ في جامعة بارتين " إن عام 1967 هو التاريخ الذي دمر فيه الحي، وهو ليس مجرد أثر للتراث الإسلامي ولكن أيضا أثر عالمي، وذلك حين ضمت إسرائيل القدس. ولم يُبد الإسرائيليون أي احترام للقانون الدولي أو للوقف ".
كانت أطروحة جونيش للدكتوراه عن تاريخ حي المغاربة ومنذ ذلك الحين عمل على دراسة الوقف العثماني، وفحص السجلات التاريخية.
ويقول جونيش إن"هناك مدرستين قديمتين داخل الحي: المدرسة الفخرية والمدرسة الأفضلية اللتين أسسهما الأفضل نور الدين علي بن السلطان صلاح الدين الأيوبي". أما المدرسة الأفضلية فهي إحدى المدارس الإسلامية النادرة التي تعود إلى عهد صلاح الدين، إلى جانب مسجد الشيخ عيد. وقد سويت بالأرض بعد احتلال إسرائيل للحائط الغربي في عام 1967. وفي العامين التاليين جرف الإسرائيليون باقي الحي وما تبقى من المدرسة الفخرية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس