برناردو الفاريز-فيلار - أ بي ثي الإسبانية - ترجمة وتحرير ترك برس
استقبل السفير التركي لدى إسبانيا، عمر أونهون، مراسل صحيفة أ بي ثي الإسبانية في الذكرى الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشل في تركيا.
بعد مرور سنة على محاولة الانقلاب الفاشلة، التي استمرت لبضع ساعات فقط، لا يزال الوضع في تركيا غير مستقر. فحملة "التطهير" التي تقودها الحكومة التركية بهدف اجتثاث أنصار غولن من مؤسسات الدولة، قد شملت أيضا كلا من عناصر الجيش والشرطة والقضاة والمدرسين، إلى جانب وسائل الإعلام. ليتم بذلك إثارة الشكوك في أوساط المجتمع الدولي بخصوص الاعتقالات العشوائية، والدور الذي اضطلع به الرئيس أردوغان.
وبصرف النظر عن الاستراتيجية المعتمدة، يسعى أردوغان إلى الترويج لأجندة سياسية تعزّز سلطته كرئيس للدولة، مثلما يتضح من خلال التعديلات الدستورية التي أقر بها الاستفتاء خلال شهر نيسان/ أبريل من العام الجاري. وفي هذا السياق، دعا البرلمان الأوروبي لتعليق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، في حال تم تطبيق هذه التعديلات وفقا لمبدأ "عدم احترام الفصل بين السلطات". في المقابل، يدافع عمر أونهون عن مشروع أردوغان السياسي ويبرر ردة فعله إزاء الانقلاب، الذي كان يخطط إلى "قتل الديمقراطية"، داعيا الاتحاد الأوروبي إلى معاملة تركيا بشكل عادل.
هذا الأسبوع، يوافق الذكرى السنوية الأولى للانقلاب الفاشل في تركيا، وبذلك أصبحت تركيا عنوانا لما يعرف باسم "مسيرة العدالة". فقد خرج مئات الآلاف من الأشخاص، أو الملايين، حسب بعض الأرقام، إلى شوارع إسطنبول للتنديد بدكتاتورية الحكومة التركية، فهل أدت السياسات المختلفة لأردوغان إلى استقطاب المجتمع التركي بين مؤيدين ومنتقدين؟
تركيا دولة ديمقراطية تعددية، وفي مجال الديمقراطية التعددية من الطبيعي أن يكون هناك أحزاب سياسية مختلفة ذات آراء متباينة. وبالتالي، إن النظر إلى الاختلافات السياسية كوسيلة لاستقطاب المجتمع، يعد أمرا لا أساس له من الصحة. لقد قضى الرئيس أردوغان عقودا على الساحة السياسية التركية، فقد كان فيما مضى رئيسا لبلدية إسطنبول، ثم تم اختياره رئيسا للوزراء، ليقع في مرحلة متقدمة انتخابه رئيسا للجمهورية في ظل انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة. إذن، أردوغان هو الرئيس الديمقراطي لبلادنا.
منذ 15 تموز/ يوليو الماضي، عاشت البلاد تحت وقع أحداث كثيرة، من بينها استفتاء التعديلات الدستورية لتعزيز صلاحيات الرئيس أردوغان، الذي كانت نتائجه لصالح أردوغان بنسبة تصويت ضئيلة. هل كان الاستفتاء بمثابة رد فعل من طرف أردوغان إزاء عملية الانقلاب بهدف التمسك بالسلطة؟ وما هي منفعة تركيا في الانتقال من نظام برلماني إلى نظام رئاسي؟
لقد تمت مناقشة هذه التعديلات الدستورية في تركيا قبل فترة طويلة من الانقلاب. آنذاك، ناقش مختلف أعضاء البرلمان، سواء من قبل طرف المعارضة أو الحكومة هذه الفكرة. وفي النهاية، أجريت بعض التغييرات، من بينها المصادقة على نظام رئاسي في البلاد. وقد كان هذا القرار بتأييد من الشعب، الذي صوت في الاستفتاء وقرر تغيير الدستور. والجدير بالذكر أن كل هذا وقع ضمن الإطار القانوني، وليس إثر قرار شخصي من الرئيس، نحن نتحدث عن النظام.
بالإضافة إلى ذلك، إن النظام الرئاسي ليس حكرا على تركيا، وإنما يوجد في العديد من الدول الديمقراطية، وهو نظام عادل ومشروع بأتم معنى الكلمة، وتم أخذه بعين الاعتبار وفقا لنتائج التصويت. وبالتالي، لا ينبغي لنا مقارنته بأنظمة أخرى أو حتى إعطاء معنى مختلف عما هو عليه. نحن لم نقم بحل البرلمان ولا حتى بإلغاء الانتخابات، سيتم انتخاب الرئيس ديمقراطيا، فنحن لم نتطرق بعد إلى الفصل بين السلطات. وبالتالي، سوف يمكّن هذا النظام من حكم البلاد على نحو أكثر فعالية، وهو المبتغى الحقيقي من ذلك.
لقد تحدثتَ الآن عن الفصل بين السلطات. في المقابل، إن أكثر الانتقادات المتكررة للتعديلات الدستورية تفترض فقدان استقلالية القضاء. كما ادعى المدعي العام السابق للجمهورية، إلهان سيهانر: "إن تركيا لم تمتثل إلى حد الآن إلى أي معيار من المعايير القضائية في دولة ديمقراطية."
يبقى هذا رأيه الشخصي، ولكن الحقيقة هي أن الفصل بين السلطات يعتبر من أحد أسس الديمقراطية، التي يتم احترامها في تركيا. إذن، السلطة القضائية في تركيا مستقلة بذاتها، وفقا لما تنص عليه قوانيننا ودستورنا.
"تمت إقالة أربعة آلاف قاض من مناصبهم في الفترة التي تلت الانقلاب".
نعم، هذا صحيح، هل تريد أن نتحدث عن ذلك؟
بالتأكيد. طوال هذه السنة لم تتوقف الاعتقالات وعمليات التطهير التي فرضها الانقلاب. فإلى حد الآن، تعرض حوالي 50 ألف شخص إلى الاعتقال، في حين تم طرد حوالي 150 ألف موظف من وظائفهم؛ من بينهم عناصر من الجيش والشرطة والقضاة والمعلمين. هل يمكن للحكومة أن تستفيد من هذا الوضع في عملية تطهير المؤسسات بحجة الانقلاب وأن تفرض بذلك مشروعها السياسي؟
لقد سرني فعلا هذا السؤال لأنني بهذه الطريقة سوف أستطيع تذكر ما حدث في تركيا في العام الماضي. يوم 15 تموز/ يوليو، شهدت تركيا على محاولة انقلاب تم الترويج إليها من قبل قطاع الجيش، لكن لم ينجحوا في ذلك. في تلك الليلة، قصفت طائرة حربية تركية البرلمان والعديد من المباني الأخرى. وفي نهاية المطاف، أدى ذلك إلى مقتل حوالي 250 مواطن تركي، إلى جانب سقوط العديد من الجرحى، وهذا يعتبر في حد ذاته أمرا يصعب تصديقه.
لقد كان أولئك الجنود يقاتلون شعبنا، وهو أمر غير مقبول بالمرة. إنهم يريدون وضع حد للديمقراطية والاستيلاء على السلطة عن طريق الإطاحة بالحكومة المنتخبة. في تلك اللحظة، توحّدت أصوات الأتراك، سواء المعارضة أو الحكومة، بالإضافة إلى عدد كبير من أفراد الجيش، في سبيل هزم الانقلاب. لذلك، يتعين علينا جميعا أن نقدر مجهودات الشعب التركي في الدفاع عن الديمقراطية.
لقد تم الترويج لهذا الانقلاب من قبل منظمة فتح الله غولن الإرهابية. فهي مثل الأخطبوط الذي يتسلل إلى الدولة التركية شيئا فشيئا منذ سنوات. لقد اخترقت هذه المنظمة العديد من المؤسسات من بينها وزارة العدل، والداخلية، ووزارة التربية والتعليم، حيث قاموا أيضا بإنشاء وسائل خاصة بهم. فإذا كنت تواكب التطورات في تركيا، سوف تعلم أنه منذ سنوات، في سنتي 2012 و2013، تم إلقاء القبض على ضباط من الجيش بتهمة التآمر لتنفيذ الانقلاب، وقد زج بهم في السجن مدة سنتين أو ثلاث سنوات في انتظار محاكمتهم.
في الأثناء، عند المحاكمة، ثبت أن هؤلاء الأشخاص قد اعتقلوا على أساس أدلة كاذبة ووثائق مزورة تم إعدادها من طرف عناصر من منظمة فتح الله غولن: أساسا عناصر في سلك شرطة والقضاء. وبالتالي، أودت أعمال هذه المنظمة بالعديد من الناس إلى السجن، بناء على وثائق مزورة وذلك في محاولة للوصول إلى السلطة. نحن الآن بصدد تطهير النظام لأنهم احتلوا أجزاء كبيرة منه.
إن مفهوم "التطهير" في صفوف الجيش أو الشرطة واضح، لكن كيف سيتم ذلك في صفوف المعلمين؟ هل قاموا أيضا بإطلاق النار على المدنيين خلال الانقلاب؟
فتح الله غولن هي منظمة. فعندما نتحدث عن الحزب النازي على سبيل المثال، ليس كل من يعمل في الحزب مختص في إطلاق النار. لقد كان هناك عناصر من الشرطة والغيستابو (البوليس السري الألماني)، والصحفيين والدعاة والماليين، فهي منظمة تضم أناس ذوي مسؤوليات مختلفة.
وفيما يخص هؤلاء الأشخاص الذين نتحدث عنهم، فهم تابعون لمنظمة فتح الله غولن المنتشرة في كل مكان، سواء في مجال الصحافة، أو في الجامعات... لكن تهمة العلاقة المباشرة مع الانقلاب لا تشمل كل المعتقلين، فقد اعتقلوا فقط لكونهم أعضاء في منظمة تروج للانقلاب.
هل المنظمة التي تتحدث عنها موجودة رسميا، هل لديها إثم، أم هي مجرد منظمة وهمية من المفترض أن تؤثر على كل شيء؟
هذه هي مشكلة المنظمة، فهي ترتدي قناعا وخلف هذا القناع يوجد نظام هرمي واضح. من فوق هي منظمة متعصبة دينيا، ومن الأسفل هناك الكثير من الناس الذين يتّبعون تعليماتها الخاصة في الكثير من الأماكن. فعلى سبيل المثال، ليلة الانقلاب، تبين في أحد القواعد الجوية في أنقرة أن هناك صور لمدنيين يعطون أوامر للجنرالات.
في الحقيقة، تقدم هذه المنظمة نفسها على أنها منظمة خيرية تكرس نفسها ونشاطها في خدمة قضايا تربوية واجتماعية، لكن وراء هذا القناع شيء مختلف تماما. فالموظف العام يعود إلى الدولة، ويخدم الدولة، لكن هؤلاء الناس يعملون لصالح منظمتهم قبل الدولة.
إلى ماذا تسعى هذه المنظمة؟ ما هو مشروعها السياسي؟
يقدم غولن، الذي يعيش في المنفى في ولاية بنسلفانيا منذ سنة 1997، نفسه على أنه المختار، وكأنه ينصب نفسه بمثابة "بابا الجميع"، ليس فقط للمسلمين. في المقابل، تهدف منظمته إلى الاستيلاء على السلطة في تركيا، لكن دون الخوض في السياسة أو تشكيل أي حزب. في الخفاء، يحرك غولن كل شيء، فقد تمكن من اختراق أجهزة الدولة لكسب النفوذ، وفي سنة 2013، حاول التلاعب بالحكومة وتوريطها في قضايا فساد، لكنه فشل في ذلك.
ومن ذلك المنطلق، شرعت الحكومة في التحقيق لمعرفة هذه المنظمة، حيث أعدت ملف من المعلومات لمعرفة الأشخاص الذين كانوا وراء منظمة غولن ومكانهم. وبناء على هذه التحقيقات، اكتشفوا أن العديد من أعضاء هذه المنظمة ينتمون إلى الجيش.
كل سنة، خلال شهر آب/ أغسطس، يتم اتخاذ القرار بخصوص مَن مِن العسكريين سيتم ترقيته ومن الذين سيظلون في نفس المناصب. إلى جانب ذلك، خلال السنة الماضية، تقاعد العديد من جنرالات منظمة غولن، وهو ما جعل أعضاء هذه المنظمة يفقدون السلطة. ولعل ردة فعلهم تجسدت من خلال الانقلاب.
هناك فصل مستقل يُعنى بانهيار حرية الصحافة في تركيا، حوالي 159 صحافي وراء القضبان، وسائل إعلام مغلقة، فضلا عن التحذيرات التي نبهت إليها منظمة العفو الدولية في تقرير لها منذ شهر أيار/ مايو، فما هو السبب الذي يقف وراء هذه الحملات على الصحافة؟ وما تهمة هؤلاء الصحفيين؟
إذا كان هناك بلد يقمع حرية الصحافة، فإن لديه مشكلة خطيرة، لكن حرية الصحافة في تركيا مضمونة وفقا للدستور. هناك صحف معارضة، وأخرى مؤيدة للحكومة... هناك كل شيء. وبالتالي، لا توجد مشكلة حرية الصحافة في البلاد. في المقابل، إن حرية الصحافة لا تعطي لأي شخص الحق في كتابة الأكاذيب والشائعات، لأن كل شيء يجب أن يكون في إطار القانون. وفي حال لاحظ القضاء أي تجاوز لهذه الخطوط، فيمكنهم فتح أي قضية ضد أي شخص.
علاوة على ذلك، إن بعض هؤلاء الناس الذين تحدثت عنهم لا يمتّون للصحافة بصلة، فهم لا يعملون سوى على التحريض على العنف والإرهاب، وهو ما لا يمكن قبوله بتاتا. فهم يكتبون لدى وسائل الإعلام الأيديولوجية، ولا يمكن اعتبارهم صحفيين. فضلا عن ذلك، إنهم يدعون حزب العمال الكردستاني (الذي تصنّفه كل من تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية) إلى جلب العنف إلى المدن. فإذا أقدم شخص ما على هذه الكتابات، فهو لا ينتمي إلى الصحافة. بالإضافة إلى ذلك، هناك أناس آخرون يعملون مع صحيفة غولن. وبالتالي، فن الأشخاص الذين يعملون في هذه الصحيفة هم الآن قيد المحاكمة بتهمة الانتماء إلى هذه المنظمة.
ما أريد قوله في النهاية هو أن وسائل الإعلام في تركيا لا تخضع لأي رقابة، أي بإمكان أي صحفي أن يكتب ما يشاء ضد الحكومة. هناك العديد من الصحف التي تقوم يوميا بنشر مقالات ضد الحكومة، وهذه هي حرية التعبير وحرية الصحافة. لكن التحريض على الإرهاب والكشف عن الأسرار الرسمية للبلاد تعتبر بمثابة جريمة في حق تركيا.
خلال هذا الأسبوع، أقر البرلمان الأوروبي مرة أخرى بتعليق محتمل للمفاوضات بخصوص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، حيث اعتبر أردوغان عدم قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي أمرا يبعث على الارتياح. إذن، كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبلدكم؟
تاريخ علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي يعود إلى ستينات القرن الماضي. ففي سنة 2004، بدأنا المفاوضات كي تصبح تركيا عضوا كامل الحقوق في الإتحاد. لكن لسوء الحظ، لم تكن معاملة الإتحاد تجاهنا عادلة. فيما بعد بدأنا المفاوضات لدخول الاتحاد الأوروبي في نفس الفترة مع كرواتيا. في المقابل، أصبحت كرواتيا عضوا فيه منذ سنة 2011، بينما ظلت تركيا في انتظار الدخول في مرحلة جديدة، إنه أمر سخيف فعلا.
في الحقيقة، نحن نعتقد أن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ستكون مفيدة للطرفين، ونؤمن أن تركيا ستصبح أقوى مع الاتحاد الأوروبي، والعكس بالعكس. يمكننا أن نسير معا إلى الأبد، وذلك عندما تكون معاملة الاتحاد الأوروبي لنا مثل معاملته للبلدان الأخرى. لدينا علاقات مع العديد من البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وروسيا... لكن، هذا لا يعني أننا نعمل على تطوير العلاقات معهم على حساب الاتحاد الأوروبي. فعلى الرغم من أننا نرغب في دعم علاقتنا مع الجميع، إلا أن الاتحاد الأوروبي مسألة خاصة بالنسبة لنا، لكن هذا لا يعني أننا لا نرغف في الآن نفسه في صفقة عادلة.
مع سقوط الموصل، والنهاية الوشيكة لتنظيم الدولة في العراق، من الممكن أن ينال الأكراد العراقيون أخيرا استقلالهم، باعتبارهم عنصرا أساسيا في تحقيق الانتصار العسكري، كيف ترى تركيا تشكيل دولة كردية في العراق؟
نحن نؤيد الوحدة الإقليمية في العراق، فالأكراد يشكلون جزءا من العراق، لكن سيكون من الخطأ أن لا يعملوا على ضمان استقرار المنطقة، ولا يجب أن ننسى أن العراق بلد الاختلاف والتنوع.
أما هزيمة تنظيم الدولة، فقد كان ذلك خبرا عظيما بالنسبة للجميع، خاصة أن تركيا بذلت قصارى جهدها لمحاربة الإرهابيين في سوريا، حيث تمكن جنودنا من تحرير العديد من الأراضي، التي كانت بأيدي العناصر الإرهابية لتنظيم الدولة كي يتمكن المدنيون من العودة إلى أراضيهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس