ترك برس
تعتبر مسألة التعلّم في مدارس "إمام وخطيب" من بين أهم القضايا والمسائل العالقة لدى الطلاب الوافدين حديثاً إلى تركيا، لا سيما السوريين منهم. حيث ترد"ترك برس" العديد من الأسئلة حولها، وخاصة حول مستقبل الطلاب الحاصلين على شهادة ثانوية "إمام وخطيب" وإمكانية التسجيل في الكلّيات والفروع الجامعية المختلفة، كغيرها من الشهادات الثانوية الصادرة من المدارس الأخرى.
وللتوضيح والإجابة عن تلك التساؤلات، سنتناول الحديث عن كل ما يتعلق بمدارس "الأئمة والخطباء" من خلال هذا التقرير المختصر:
صدر قانون توحيد التعليم عقب إعلان قيام الجمهورية التركية عام 1923، وقد نص على أن تصبح جميع المؤسسات التعليمية في البلاد بيد الدولة. وباسم هذا القانون أغلقت كل المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية وأوقاف الأقليات الدينية.
وبررت الدولة ذلك القانون بأنه لفائدة التعليم وليس لمواجهة الدين، ففتحت مدارس الأئمة والخطباء التي لم تعمر طويلاً، وأغلقت بحجة عدم الإقبال عليها. وآنذاك، أرجع معارضو تلك الحجة إلى أن السبب الحقيقي للإغلاق هو عدم دعم الدولة لهذه المدارس مادياً، وعدم فتح مجال العمل لخريجيها.
وقد أورث غياب التعليم الديني المجتمع التركي فترة جهل ديني قاتمة، وساد فيه نمط الحياة الغربية، حتى دار جدل في البلاد حول ضرورة إعادة فتح مدارس الأئمة والخطباء عقب فوز حزب الديمقراطية بانتخابات عام 1950 واستلام "عدنان مندريس" رئاسة الوزراء آنذاك. وكانت نتيجة هذا الجدل أن عادت هذه المدارس إلى الساحة التعليمية.
ورغم تحكم الدولة في خطاب خريجي مدارس الخطباء في ذلك الحين، فإن المواطنين كانوا يتوقون إلى من ينتشلهم من حالة الفقر الديني التي يعيشونها، لدرجة أن البحث عمن يصلي أو حتى من يقرأ الفاتحة على روح الموتى أضحى من الأمور الصعبة لدرجة الاختفاء. وهذا ما صرّح عنه لاحقاً "رجب طيب أردوغان"، وهو أحد خريجي تلك المدارس، حين قال "كانوا يعيروني بأني سأصبح غاسل موتى!".
ولم يتوقف تصدي الحكم العلماني للتعليم الديني في تركيا، فجاء "الانقلاب الحداثي" عام 1997 ليعلن حالة الطوارئ التي تعرف في تركيا باسم 28 شباط/ فبراير، والتي تم على إثرها حظر دخول خريجي تلك المدارس للعديد من الفروع المهمة في الجامعات التركية وحشرهم ضمن كلية الشريعة فقط، وذلك عبر خفض معدل علامات هؤلاء الخريجين. فأبعد هذا الإجراء الطلاب عنها وخاصة الذكور، رغبة منهم في ضمان فرص أوفر لمستقبلهم باستثناء الإمامة.
ورغم ذلك، وأمام الضغط الشعبي، فقد استمرت هذه المدارس لسنوات طوال، بالرغم من المعارضين لها في تربية الطلاب وإعدادهم للتعليم العالي، ولم يظهر منها أي نوع من أنواع الضرر على الدولة أو الشعب أو العالم، بل حدث العكس تمامًا، فهذه المدارس تسبق بخطوة المدارس الأخرى من ناحية جودة التربية والتعليم والانضباط.
وبموجب القانون الأساسي لوزارة التعليم التركية، فإن معاهد أو مدارس إمام وخطيب، لا تختلف كثيرًا عن باقي الثانويات العامة الرسمية، إلا من حيث اعتبارها الدرس الديني من صلب المنهاج المقرر، فهي تتألف من مرحلتين دراسيتين، تمتد المرحلة المتوسطة لثلاث سنوات، والثانوية لأربع سنوات، ويلجأ إليها الطلاب الذين استكملوا المرحلة الابتدائية.
وبالنسبة للمنهاج فيتكون من ثلاث وحدات دراسية، دروس الاختصاص، وتضم المواد الدينية كالقرآن الكريم والحديث، والعقائد، واللغة العربية، والفقه، والخطابة، وغيرها، وهي الدروس التي تُميّز هذه المعاهد عن بقية المؤسسات التعليمية الرسمية.
ودروس مختارة، كالفنون والرياضة واللغات الأجنبية والتكنولوجيا، ودروس الثقافة العامة، وتشمل نفس الدروس المعطاة في الثانويات الرسمية، كالفلسفة والتاريخ والأدب التركي والرياضيات والمبادئ الأتاتوركية وغيرها.
وتتبع هذه المدارس مديرية التعليم الديني في وزارة التعليم الوطني في تركيا، وهي منتشرة في معظم أرجاء البلاد، ومهمتها الأساسية تخريج الأئمة والخطباء للمساجد دون الحاجة للالتحاق بالجامعة، بينما يفضل العديد من خريجيها الالتحاق بالجامعات.
وتخرج من هذه المدارس صفوة أعضاء حزب العدالة والتنمية، والذي تولى السلطة في تركيا عام 2002، على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي درس الاقتصاد بعد تخرجه من مدارس إمام - خطيب، والتي تخرج منها أيضا نحو ثلث نواب الحزب الحاكم في البرلمان التركي.
وحظيت معاهد إمام خطيب بإقبال شعبي ملحوظ، كتعبير الأهالي والشعب التركي على التمسك بالهوية الإسلامية من جهة، ومن جهة أخرى لما تمتعت به المعاهد من جودة في التعليم وانضباطية فائقة، لكن الجدل بشأنها لم يتوقف، بين علمانيين يرونها تهديدًا لمبادئ "أتاتورك"، وقوى دينية معارضة للتطرف العلماني، ومتمسكة بحق الشعب في تعليم يعزز انتماءه الديني.
والحال، فإن مدارس "إمام وخطيب" تتيح لكل من يدرس منهاجها الالتحاق بأي جامعة يرغب الدراسة فيها بمجرد حصوله على شهادتها الثانوية، وليس كما كان يشاع بأنها تلزم طلابها بالكليات والفروع الدينية أو الدراسات الأدبية فقط.
ويتم إكمال تأهيل طلاب مدارس الأئمة والخطباء الراغبين بإكمال دراساتهم الجامعية ضمن الاختصاصات العلمية والأدبية، حسب الآلية التالية:
يختار الطالب في صف "البكالوريا" أحد الفرعين، العلمي والأدبي، حيث يدرس الطلاب نفس أوالمواد. وعند نهاية العام الدراسي يتقدّمون إلى "الفحص الموحد"، والذي يشتمل على جميع المواد التي درسها طلاب الفرعين، ويتكوّن من مرحلتين: المرحلة الأولى واسمها "gys"، وعندما يجتازها الطالب يتقدّم إلى المرحلة الثانية "lys". وبعد الانتهاء من المرحلة الثانية يتم احتساب العلامات الخاصة بكل فرع، فالعلمي يتم احتساب 90% من درجات المواد العلمية و10% من المواد الأدبية، والفرع الأدبي بالعكس تماماً.
بعدها، يتقدّم الطلاب إلى التسجيل في مفاضلات الجامعات التركية للحصول على الفرع المراد دراسته حسب الرغبة المطروحة للفروع العلمية أو الأدبية، وحسب الجامعات التي تطلب شهادة "اليوس" و"السات" بالنسبة للطلبة الأجانب، أو تكتفي بأوراق التسجيل بمعزل عن الشهادة المذكورة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!